الاستثمار في كل دول العالم له الأولوية القصوى في سلم الخطط الاقتصادية بمختلف مسمياتها ، لذلك نجد حرص جميع الدول والحكومات على دفع الاستثمارات في الصناعات الوطنية في مختلف المجالات، والتواصل مع المستثمرين لحل مشاكلهم وتذليل المعوقات كافة؛ نظراً لأهمية القطاعات الصناعية في تحريك وتنشيط الاقتصاد، لأنها الأقدر على رفع معدلات النمو، وتوفير فرص العمل، وزيادة الصادرات وتوطين التكنولوجيا ونقل الخبرات والمهارات والتقنيات الحديثة ، التي تعد أحد أهم دعائم الاقتصاد القومي، ومن الركائز الأساسية لتوفير العملات الأجنبية.
ولكن كثيرا ما تضيع هذه الأهداف أمام معظم الشعارات الجوفاء الخالية من المضمون التي تؤكد ليل نهار علي الاستثمار بسهولة مع وجود التسهيلات وسهولة الإجراءات والقوانين والتيسيرات في المنافذ الواحدة والتي نتغنى بها في المؤتمرات واللقاءات والندوات المحلية أو في الخارج ، فتصيح هذه الشعارات من أُولى معوقات الاستثمار ، ومن المؤسف أننا نجد أن أكثر من يتشدق بهذه الشعارات هي البلاد النامية التي هي أحوج ما تكون إلى الاستثمارات الأجنبية.
لكن التناقض الغريب أنها هي التي تتميز بقدرات فائقة على صنع المتاريس و العقبات والمحبطات في وجه المستثمرين المحليين والأجانب ، من خلال العراقيل والقيود التي تفرض فرضا أمام انطلاق الاستثمارات ، وأبسط ما يمكن وصفها به أنها مُنفرة وطاردة للمستثمرين، وكأنها تعمل في المسار المضاد لإصلاح الهيكل الاقتصادي.
وفي ظل الغياب التام لدور غرف التجارة والصناعة الأساسي في صياغة القوانين والتشريعات التي تنظم عمل القطاع الخاص لكونها غير مستقلة عن القرار الحكومي أو لضعف أو سوء الإدارة أو للنقص في الخبرات والتجارب أو للانشغال بالسفريات الخارجية على الرغم من أهميتها إذا اتخذت الوجهة الصحيحة للترويج للاستثمار ونقل الخبرات والتجارب الناجحة من الدول الأخرى التي تفتح مجالات العمل والابتكار أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة أو أن كل ذلك مجتمعا.
والأمثلة على ذلك كثيرة وتفوق الحصر، في مقدمتها القوانين البالية التي تحمل في مجملها وعند التنفيذ على أرض الواقع أو بين السطور المعاناة الدائمة من الروتين والتعقيدات البيروقراطية المرئية والمخفية، والتي تكرسها بعض الدول باحتكار بعض الاستثمارات والمشروعات ، نتيجة لسوء الإدارة أو لافتقاد العقليات الواعية ذات الخبرة الاقتصادية اتي تدرك أهمية جذب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع المستثمرين المحليين ، وأن نجاحها في ذلك بمثابة أقوى دعاية وأفضل ترويج للاستثمار.
وإضافة إلى ذلك فإن من أخطر المعوقات هو محاول الحكومات أن تجعل من نفسها وصيا على المستثمرين ، التي نراها في عدم استقرار قوانين الاستثمار و التغيير المستمر للوائح والإجراءات التي يفاجأ بها المستثمر ، وكذلك فرض نوعيات من الأيد العاملة قد لا تتوافق مع احتياجات المستثمر من حيث الثقافة والمهارة والخبرة ، لآن قوانين الاستثمار يجب أن تكون أكثر استقرارا واستمرارا لإيجاد البيئة الاستثمارية الجاذبة ، التي تعطي للمستثمر حرية إدارة مشاريعه وأعماله وحرية التوظيف دون تحفظات، ومن غير أي تدخلات أو فرض شروط من أي نوع، طالما لا تتعارض مع سلامة البيئة أو السلامة المهنية أو قيم المجتمع، ولا مع الأغراض الأساسية للنشاط الذي اختاره المستثمر ،لأنه هو الأقرب والأكثر حرصا ووعيا ورغبة في النجاح وتحقيق الأرباح، حتى لا يجبر على الخروج أو الهروب ، وحتى يتمكن من المنافسة التي تُفرض عليه في ظل العولمة.