في الوقت الذي يحث فيه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله - على أهمية الحفاظ على الهوية الوطنية كأحدى المرتكزات الأساسية للحفاظ على قيمنا التراثية والحضارية الموروثة جيلا بعد جيل وإلى ماشاء الله كما ورد في خطابه في جلسة الإنعقاد العاشر لمجلس عمان إذ شدد واكد بشكل كبير على الحفاظ، علي الهوية الوطنية عندما قال: "إذْ نَرْصُدُ التحدّياتِ التي يتعرضُ لها المجتمعُ ومدى تأثيراتِها غيرِ المقبولةِ في منظومتِهِ الأخلاقيةِ والثقافيةِ ، لَنُؤكِّدُ على ضرورةِ التصديّ لها ، ودِراسَتِها ومتابعتِها ، لتعزيزِ قدرةِ المجتمعِ على مواجهتِها وترسيخِ الهُويّةِ الوطنيةِ، والقيمِ والمبادئِ الأصيلة، إلى جانبِ الإهتمامِ بالأسرةِ، لِكونِها الحِصنَ الواقيَ لأبنائِنا وبناتِنا من الاتجاهاتِ الفكريةِ السلبيةِ، التي تُخالفُ مبادئَ دينِنا الحنيفِ وقيمَنَا الأصيلةَ" ..
وفيما بعد هذه الكلمات الرصينة والحكيمة بعيدة الأغوار، عميقة الدلالات والتي تدل على حرص المقام السامي على الهوية الوطنية والمرتبطة بالقيم العمانية الأصيلة فإنه يتعين علينا دراستها واخضاعها للتحليل العميق لنستنبط منها كل المعاني والإيحاءات المختبئة فيما خلف الكلمات، ولنضع بعد ذلك هذه التوجيهات السامية في حدقات العيون ولنستنير بها في خطواتنا المستقبلية في إطار مسيرتنا لتحقيق أهداف وغايات رؤية عمان 2040 والتي أكدت على أهمية الهوية الوطنية والحفاظ عليها من خلال أولوية "المواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنيّة" والتي أكدت في هدفها الأول من أهدافها الإستراتيجية على "مجتمع معتز بهويته ومواطنته وثقافته، يعمل على المحافظة على تراثه، وتوثيقه، ونشره عالمياً". ومن هذا المنطلق ومن مبدأ أن الوثائق الوطنية للشعوب والمجتمعات والأفراد هي مرآة لهوية وثقافة تلك المجتمعات للعالم فإنه لا يدع مجالاً للشك بأهمية الحفاظ على الزي العماني المعبر عن الهوية العمانية الضاربة بجذورها أعماق التاريخ في الوثائق الوطنية كأحد أوجه الحفاظ على الهوية الوطنية. فقد عرف العماني خلال المرحلة الماضية أينما حلّ وأرتحل بالدشداشة والعمامة العمانية المتميزة والتي يفخر بها أمام العالم أينما ذهب، الا ان التوجهات الجديدة الخاصة بالصورة الشخصية على الجواز العماني فاجأ الجميع حيث فتح الباب على مصراعيه بشأن الصورة الشخصية للمواطن بالجواز، حيث تتيح له اختيار نوع الصورة التي يرغب في وضعها على الجواز ، وفي هذه نقول بان الحرية الشخصية المشار اليها لا ينبغي لها تجاوز الأصالة والتراث والسمات الحضارية التي تميز سلطنة عُمان وشعبها عن بقية دول العالم، وان هذه السمات باتت تمثل عنوانا لبلادنا ، فالعماني وفي كل دول العالم يميزه زيه الوطني العريق ، كما تميزه اخلاقه وفضائلة المستمدة من القران الكريم تماما كما يحب ربنا ويرضى .
التوجه المشار إليه أفاد بان من حق المواطن تجاوز زيه الوطني الشهير الجميل العريق ، نقطة نحسبها بداية السقطة لا تغتفر في حق الهوية الوطنية أو أحد مكوناتها، الا وهو الزي العماني ، فالتخلي عن اهم موروث حضاري يميزنا ويمنحنا عنوانا ضخما ومبهرا كنا ولا زلنا نعتد به، يعني ان التخلي عن باقي الموروثات الحضارية والتراثية سيات لامحالة ، فهي مسألة وقت لا اكثر ولا اقل ، فالخطير قد حدث ، وماسيليه هو الأخطر وسيقع .
فاذا كان الجواز العماني وبصيته العالمي وبالصورة الشخصية للمواطن بزيه الوطني قد حقق اصلا وقبلا تلك المكانة الرفيعة ونال تلك الدرجة العالية في التصنيفات الدولية ، إذن وبالمنطق فان صورة المواطن بزيه الوطني لم تكن عاملا سلبيا يفرض حتمية التخلي عن الزي الوطني وباعتباره عنوانا للعماني يميزه عن غيره من شعوب الأرض ، واذا كان ثمة منطق يقول بان الحرية الشخصية قد استجابت لحقيقة وجود متجنسين عمانيين جدد ينبغي تلبية رغباتهم في الظهور بزيهم القديم فيما قبل التجنيس فهذه النقطة ضعيفة ايضا ، فهؤلاء النفر الكريم الذين أضحوا اخوة لنا في الوطن والمواطنة فهم قد اقتنعوا وامنوا وارتضوا حبا وفخرا بالزي العماني ، ولا نعتقد ابدا بان الظهور بالبدلة والكرفته هو مطلب وجودي لهم .
بالطبع الحكومة بذلت جهودا طيبة لترسيخ الهوية العمانية خلال السنوات الماضية عبر العديد من الأطر و التشريعيات والممارسات ومنها فرض اللباس العماني في الدوام الرسمي للمؤسسات الحكومية بالنسبة للرجال، إلا أن تأتي بعض الجهات وتقلب الأمور بأن تجعل الزي العماني اختياري، فهذا تراجع غير مقبول وله آثار سلبية كبيرة على مستقبل هويتنا و يفتح الباب أمام الكثير من التجاوزات على الهوية الوطنية من بعض المؤسسات وكذلك من المواطنين.. فلا يجب أن نتيح لهذه التجاوزات رسميا ان تخدش حياء هويتنا الوطنية
نأمل ان يعاد النظر في هذا التوجيه مع احترامنا له ، فالمبررات التي املته لن تصمد امام المنطق الحصيف والمستمد بادئ الراي من توجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - والتي اشرنا اليها اعلاه ، كما ان حقيقة جوهر الهوية العمانية في معناها الاعمق والاشمل لا توافق على ماجاء في التوجيه ..