على عكس واقع النتائج النهائية لانتخابات الدورة العاشرة لمجلس الشورى العماني فإن المرأة العمانية كانت حاضرة بقوة في هذه الدورة من خلال قدرتها التصويتية التي بلغت نسبتها 47.84% من عدد الناخبين وهى نسبة عالية جدا مقارنة مع نسبة مشاركة الذكور التي بلغت 52.16% مما اعتبره طفرة نوعية في التواجد الكثيف للمرأة العمانية وتأثيرها المباشر في اختيار كل أعضاء المجلس من الذكور ولا يعيبها أن نقول بأنها كانت الحاضر الغائب بعد أن خلت قائمة الناجحين من المرأة
وأن كنت قد كتبت في مقال عن انتخابات سابقة حول امرأة واحدة لا تكفي في مجلس الشورى، لأنني تمنيت المزيد خاصة أن التشريعات العمانية متطورة وأعطت المرأة حقها كاملا متساوية مع الرجل ، ولكن المنحنى البياني لم يتخطى رقمه بين امرأة أو اثنتين على الأكثر في كل دورة برلمانية ثم هبط إلى الصفر في هذه الدورة ، على الرغم من أن سقف توقعاتي كان أعلى بكثير، مع استخدام التصويت الإلكتروني الذي أتاح الفرصة لكل الفئات حتى من ذوي الإعاقة للإدلاء بصوتهم في سرعة وسرية وسهولة في الداخل ومن أي ماكن تواجدوا فيه في العالم باستخدام الهاتف الذكي، حتى في ظل عدم القضاء على الفجوة الرقمية عند البعض ، وقد أنبهر العالم بتنفيذ التصويت والفرز الإلكتروني كاملا وبنجاحه للمرة الأولى عربيا بل وفي الكثير من دول أوروبا أيضا، بعد أن سجل ميلادًا جديدًا في تاريخ التجربة البرلمانية في سلطنة عُمان ، والذي صاحبه تنظيم إعلامي متميز، مع استضافة عدد كبير من الصحفيين ووسائل الإعلام من مختلف الدول ، الذين أشادوا بالتجربة والتنظيم والتسهيلات الإعلامية التي قدمت لهم ، حيث توفرت كل الجوانب التنظيمية واللوجستية اللازمة لإتمام عملية الانتخابات بسهولة وشفافية ويسر، ومن دون أي تدخل في عملية التصويت أو الفرز التي تتم إلكترونيا عبر تطبيق "انتخاب
وفى الجانب الآخر من المشهد فهناك مسؤولية تجاه تغيير الموروث الثقافي والنسيج المجتمعي لتعزيز دور المرأة في الحياة السياسية من خلال الممارسات الميدانية
التي تعزز الوعي السياسي لدى كل فئات المجتمع بأهمية دور المرأة في العمل السياسي، لا سيما وأن النساء العمانيات أثبتن قدرة ونجاحا فائقا في العمل بمختلف المجالات والمناصب ، حتى التي كان البعض يظن أنها حكرا على الرجل فحسب وذلك استعدادا لانتخابات الدورة الحادية عشرة لمجلس الشورى ، واعتقد أن البداية تكون من مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الاجتماعية وجمعيات المرأة والنوادي الرياضية والنقابات ومجالس إدارة غرفة التجارة والصناعة و شركات القطاع الخاص لإعطاء الفرصة للمرأة للانخراط في مختلف الأنشطة القيادية ،
وأيضا نبدأ من المدرسة والجامعة وزيادة المشاركة في الاتحادات الطلابية وفي الأنشطة غير الصفية والثقافية والفنية والرياضية ، لتنمية شخصيتها وقدرتها على المشاركة الجماعية في العمل والإدارة ، بما يعطيها الثقة في كسر الحاجز المجتمعي والإرث الثقافي المتوارث في المجتمعات الشرقية ،
وأن يصاحب ذلك تكثيف مستمر من خلال البرامج الإذاعية و التليفزيونية في القنوات الفضائية باستخدام الدراما و المسلسلات الفنية ،إلى جانب المحاضرات والندوات الثقافية ووسائل التواصل الاجتماعي الجادة
وأن تهتم الصحف ووسائل الإعلام المقروء بإلقاء الضوء على فنون الدراما والمسرح وفنون التمثيل والأغاني الراقية التي تجسد حراك المرأة والدور المرتجى منها في الحياة السياسية، لتغيير الصورة الذهنية الذكورية تجاه المرأة وقدرتها على تمثيل المجتمع من الجنسين في البرلمان ، ولتغيير قناعة المرأة باختيار المرأة التي تمثلها في المجالس البلدية و البرلمانية ،وأيضا تعديل قناعات الفكر لدى الرجل بدعم وجود المرأة على المسرح السياسي
وذلك حتى يتم مواكبة المتغيرات العالمية في صعود دور المرأة المجتمعي في عمليات البناء والتنمية وتربية أجيال المستقبل بعيدا عن القناعات القبلية أو الاتجاهات السلبية تجاه أهمية دور المرأة في تقدم المجتمعات ومشاركتها الفاعلة في الحياة السياسية باعتبارها على الأقل نصف المجتمع ومن حقها المشاركة في مناقشة التشريعات والأمور التي تتعلق بالمرأة والأسرة والحقوق والواجبات بشكل عام باعتبارها من السمات الحضارية .