"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل".. شرر الحرب تتناثر شظياها من هنا أو هناك ، لتؤثر على اقتصاديات المنطقة مع إصرار إسرائيل على تنفيذ عمليات التهجير القسري لسكان غزة والضفة في حراسة القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في معظم الدول العربية بالإضافة إلى قاعدة عسكرية لحزب الناتو الذي يقابله إصرار آخر من أطراف ثلاثة هي أهل فلسطين ومصر والأردن ، لأنه ضد طبيعة الأشياء، بعد أن أعطى من لا يملك حقا لمن لا يستحق ولا يملك، من خلال وعد بلفور في عام 1917وقد جسد ذلك نكبة 1948 التي بدأت منها طرد الفلسطينيين وهجرتهم إلى خارج موطنهم مرورا بنكسة 1967واحتلال إسرائيل الأراضي العربية في قطاع غزة والضفة الغربية ومرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء، التي احتلتها إسرائيل خلال حرب الأيام الستة عام 1967، فيما أعيد وضع شبه جزيرة سيناء إلى السيادة المصرية في عام 1982 نتيجة لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وقرار التحكيم الدولي ،
وبقاء أراضي الدول الأخرى تحت الاحتلال العسكري حتى الآن ،لذلك فإن معظم النار من مستصغر الشرر، ما جعل المنطقة كلها تعيش تحت ظلال اقتصاد الحرب ، وهو الهدف من زرع إسرائيل في قلب المنطقة لشغلها عن العمل والإنتاج والتقدم واستنزاف طاقتها ومواردها وتحويل كل مساراتها الإنتاجية للتسليح لتحسين ميزانيات الدول المصدرة للأسلحة ،حتى جاءت المملكة العربية السعودية ضمن أضخم 8 ميزانيات دفاع في العالم خلال 2023، بميزانية 46 مليار دولار، كما تمتلك الدول العربية قدرات عسكرية متباينة تجعل تصنيف بعضها ضمن أقوى جيوش العالم، ويتصدر الجيش المصري قائمة أقوى الجيوش العربية في 2023 والرابع عشر عالميا ، ثم الجيش السعودي في المركز الثاني عربيا والثاني والعشرين عالميا ، فيما جاء الجيش الجزائري في المركز الثالث عربيا والسادس والعشرين عالميا، وإن كانت قوة الجيوش لا ترتبط بحجم إنفاقها العسكري، لأن بعض الدول تمتلك صناعة عسكرية ضخمة ذات كفاءة عالية ولا تحتاج إلى شراء أسلحتها بالكامل من الغرب ،ولكنها تحمل شعار " يدٌ تبني ويدٌ تحمل المدفع" وهذا يشكل عبئا و تكاليفا إضافية على الاقتصاد العربي على حساب البنى الأساسية والخدمات التي يحتاجها المواطن العربي، وفي المقابل هناك إسرائيل الطفل المدلل الذي يحصل حتى على أكثر مما يحتاجه من الأسلحة ومساندة قوات المارينز الأمريكية وحاملات الطائرات مع الإسناد من القواعد العسكرية في المنطقة ، والدعم بكل أنواعه ماديا وإعلاميا حتى بدون أن يطلب ذلك
وعلى الجانب الآخر من الصورة فإن الرئيس الأمريكي با يدن اعتبر أن مليارات المساعدات التي تقدمها أمريكا سنويا الإسرائيل هي افضل استثمار،- بخلاف الدعم العسكري اللا محدود - وإنه يؤيد الغضب الإسرائيلي الأعمى ردا على اعتداءات جماعة حماس ،كما يتبنى معظم الرأي العام الغربي هذا الاتجاه
وهو تناقض غريب وازدواجية في المعايير لأنهم يتعاملون مع النتيجة بدون معالجة السبب، المتمثل في اغتصاب إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية بدون وجه حق ، بينما يحدث عكس ذلك في التعامل مع الوضع بين روسيا و أوكرانا التي يقدمون لها المساعدات المالية والعسكرية بلا حدود ، وهى في نفس الحالة الفلسطينية ، مع فرض عقوبات اقتصادية على روسيا لكونها المعتدية على أوكرانيا
، وهنا نجد حجم التناقضات حيث نرى وقوف الغرب وأمريكا لمناصرة الجلاد ولم تنقذ الضحية ، وهى من صور الانحياز والعنصرية و الظلم الفادح وإهدار الحق والمبادئ الإنسانية وحقوق الإنسان التي يتشدق بها الغرب صباح مساء، ما يشجع إسرائيل على الصلف والوحشية وتجاهل كل قرارا ت الأمم المتحدة ، وعدم الاستجابة للتهدئة أو وقف إطلاق النار في كل المواجهات مع الفلسطينيين إلا بعد أن تحقق أهدافها كاملة على الأرض ، وفق المخططات المسبقة التي تنفذها على مراحل تمهيدا لرسم خريطة الشرق الأوسط الكبير التي تحلم بزعامته اقتصاديا وسياسيا
ولا شك أن هذا الاحتقان المستمر في المنطقة بسبب وجود إسرائيل في قلب الوطن العربي جعل المنطقة تعيش حالة اقتصاد الحرب التي تُفرض على الدول العربية كافة لأن فلسطين قضية العرب والمسجد الأقصى قضية العرب والمسلمين جميعا وليست دول الجوار فقط ، لأن اقتصاديات الحرب تتطلب تنظيم وتوزيع الإمكانيات الاقتصادية خلال فترة الصراع بين احتياجات المجتمع والمواطنين ومتطلبات الجيوش وتسليحها لوضعها في حالة الاستعداد، واتخاذ التدابير لتحديد أولويات نفقات الإنتاج الدفاعي والأمن القومي ،وإعطاء الأولوية لإنتاج السلع والخدمات التي تدعم الجهود الحربية، ومع تصاعد حدة الصراع بين إسرائيل وفلسطين ومهاجمة المدنيين الأبرياء تقول مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورييفا : إن ذلك يفاقم حالة الغموض الاقتصادي العالمي الذي يتأثر أكثر إذا تطور الأمر إلى حرب إقليمية ، لذلك فإن مخاطر الحرب تدفعنا للبحث عن آليات فرض السلام لإنقاذ المنطقة لنخلصها من اقتصاديات الحرب وويلات الدمار ، حتى تتفرغ دول المنطقة للتنمية والعمل والإنتاج وتطوير مجتمعاتها ، تحت مبدأ أن الحق لا تحميه إلا القوة التي تصنع آليات السلام .