محمد محمود عثمان يكتب: العيد الذهبي لانتصار أكتوبر 1973.. والآثار الاقتصادية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٨/أكتوبر/٢٠٢٣ ١٤:٠٨ م
محمد محمود عثمان يكتب: العيد الذهبي لانتصار أكتوبر 1973.. والآثار الاقتصادية
محمد محمود عثمان

أحدثت حرب السادس من أكتوبر 1973 ،نقلة نوعية وطفرة في اقتصاديات الدول العربية المصدرة للنفط ، بعد أن نحج الرئيس السادات بإقناع الدول الخليجية باستخدام سلاح النفط في المعركة ،حيث نحتفل هذا العام بالذكرى الخمسين و بالعيد الذهبي للانتصار على إسرائيل والخروج من ذل الهزيمة و الانكسار إلى فخر العز و الانتصار، بعد أن رفعت مصر شعار " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " وتحمل الشعب هذه المعاناة بعد أن تم تحويل الاقتصاد المصري كاملا لتجهيز الجيش والقوات المسلحة وللمجهود الحربي ،وانعكاس ذلك على البنية الأساسية في التعليم والصحة والخدمات وحالة التقشف التي أثرت على المواطنين ، في الوقت الذي مثلت عائدات النفط بعد صعود سعر البرميل من 7 دولارات إلى نحو 100 دولارا مصدرا جيدا لتمويل المشروعات التنموية في الدول النفطية ، وما صاحبها من نهضة عمرانية وحضارية غير مسبوقة ، فضلا عن مولد صيغة جيدة للتضامن العربي الاقتصادي، والذي لم نشهده على مر العصور ، حيث أحدث ذلك تأثيراً قويا وفعالاً في تفعيل القدرات الاقتصادية العربية، ودورها في الأحداث الإقليمية والعالمية، نتيجة للتأثيرات الكبيرة على دول الغرب وأمريكا التي ساندت إسرائيل في المعركة ، بعد أن غيرت حرب أكتوبر المفاهيم والعلاقات الاقتصادية ،وتذبذب توجهات الاقتصاد العربي، نحو الشرق و الغرب وفقا لمؤشر المصالح المتبادلة ، والآن خمسون عاما تمر على هذه الحرب العظيمة ،وهى أهم الأحداث في حروب التحرير في العصر الحديث، وهى أول وآخر انتصار عربي على إسرائيل حتى الآن، ولذلك كنت أتمنى أن تحتفي كل دولنا العربية والنفطية بالذكرى الخمسين أو العيد الذهبي ومرور نصف قرن على هذه الحرب المجيدة بكل المعاني، وحتى تعلم الأجيال الجديدة تضحيات الجنود المصريين البواسل من بين شهيد وجريح ، الذين قدموا دماءهم وضحوا بأرواحهم لإعادة كرامة وعز العرب، وهى أغلى من كل حقول النفط ،وحتى لا تستمر شماتة البعض في مصر التي استنزفت كل مواردها الاقتصادية والبشرية في المعارك ضد أعداء العرب، وقد تشرفت بأن أكون أحد كوكبة المشاركين في هذه الملحمة الفريدة، والذين اطلق عليهم" أبطال حرب العاشر من رمضان -السادس من أكتوبر 1973"، بعد أن عشت أنا وجيل النكسة آلام ومعاناة هزيمة يونيو 1967 التي أصابت أبناء الشعب العربي عامة والمصري خاصة بالإحباط أمام الدعايات الصهيونية للجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، والتي أصابتنا بالقهر والإحباط ، لآنها كانت هزيمة للأمة العربية وامتدادا لسلسلة هزيمة الجيوش العربية في حرب فلسطين عام 1948،حتى عمق الرئيس جمال عبدالناصر هذه الجراح بإعلان قراره بالتنحي بعد الهزيمة – فكرس ذلك الإحباط في نفوس الشباب - لأنه كان رمزا من رموز القومية العربية ومناصرا لحركات التحرر في العالم الثالث والذي رفع شعار مقولته الشهيرة "على الاستعمار أن يحمل عصاه على كتفه ويرحل "ولكن كانت قوى الاستعمار أقوى من عبدالناصر ومن كل العرب ، وهى لا تسمح بزعامات أو قوى تبزغ في هذه المنطقة ،ولكن كان الأقوى هو تصميم الجنود المصريين على تحرير الأرض وعودة الكرامة للمحارب العربي ، فقد عشت مع زملائي ويلات حرب الاستنزاف التي استمرت لأكثر من ثلاث سنوات كنا نعيش في الحفر البرميلية والمخابئ والملاجئ تحت الأرض حيث كان الطيران الإسرائيلي يستبيح أجواء المعركة ،وكل ذلك أعطى انطباعات بأن مصر غير قادرة على شن حرب على إسرائيل، حتى نجح الجيش المصري في بناء حائط صواريخ سام الروسية ، واقتحام خط بارليف الحصين الملغم بأنابيب النابالم الحارقة ، وتدمير مواقع العدو القوية والحصينة وعبور أصعب عائق مائي في التاريخ ونجاح الرئيس السادات في تنفيذ أكثر من خطة بنهج علمي مدروس بعناية فائقة في وقت واحد ، منها خطة سياسية للتعبئة العربية وخطة عسكرية للتدريب والإعداد للمعركة ، ثم خطة خداع استراتيجية أذهلت العالم وخدعت حتى مخابرات الدول الكبرى، مثل طرد الخبراء الروس من الجيش ،و تسريب معلومات إلى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي ، بأن الروس منعوا السلاح والذخائر عن مصر، والتي لا تفكر في الحرب ، مع أن الطيار حسني مبارك كان يُعد جيدا سلاح الطيران الذي كان له الفضل في الضربة الأولى التي صنعت الانتصار ، وكذلك خطة إعلامية ، فكان المقال الأسبوعي بصراحة للكاتب محمد حسنين هيكل القريب من دوائر صنع القرار حول عدم قدرة الجيش المصري على تخطي خط بارليف ،له أثره السيئ على معنويات الجنود ،وعدم اعتراض الرئيس السادات على ذلك، سواء أكان ذلك بالاتفاق مع هيكل أم أن الرئيس السادات الذي عمل سابقا في مجال الصحافة ، استثمر ذلك كجزء من خطة الخداع ، ثم الإعلان عن تسريح قوات الاحتياط قبل يوم من شن الحرب ، ثم استدعائهم بعد بداية المعركة ، والإعلان عن توجه وزير الدفاع المصري إلى أمريكا، و السماح لضباط القوات المسلحة لأداء العمرة، وعدم إعلان حالة الطوارئ بالجيش، حتى أنه أثناء عبور موجات الطائرات الحربية إلى سيناء ، فكل شيء كان يبدوا عاديا على جبهة القتال ،فكنا نلعب كرة القدم ومجموعة أخرى كانت تقوم بصيد السمك على شاطئ القناة ، على مرمى البصر من الإسرائيليين ،ولذلك نجح جيش مصر بإصرار وإرادة وبعلم وتخطيط وبدعاء "بسم الله .. الله أكبر" ،وبتوفيق أكثر من الله سبحانه وتعالى ،في مباغتة العدو وصنع الانتصار، الذي يقول عنه الرئيس السادات بصوته الجهوري "أننا نسلم للأجيال راياتنا مرفوعة هاماتها عزيزة صواريها".