في ظل ما يشهده موسم الخريف بمحافظة ظفار من تطورات متسارعة عاما بعد الآخر والتي من أهم مؤشراتها الزيادة المطردة في أعداد الزوار، ما يؤكد على تنامي السياحة بهذا الجزء الغالي من بلادنا، فإن ما شهدته المحافظة من موسم استثنائي هذا العام يستدعي الإشارة إلى الجهود الاستثنائية التي بذلت لتحقيق هذه القفزة القياسية والتي تكاملت عبرها الجهود بين مختلف الجهات وعلى رأسها وزارة التراث والسياحة.
لقد لامس عدد الزوار سقف المليون زائر في الفترة من الحادي والعشرين من يونيو إلى نهاية أغسطس 2023 بزيادة بلغت 17% عن الموسم السابق.
وبقراءة المؤشرات السياحية المبدئية التي أصدرها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات تتضح الكثير من الحقائق والنتائج الإيجابية للموسم وتعكس الكثير من الجوانب التي يتطلب استثمارها، ومن بينها أن عدد الزوار جاء في أقل من ثلاثة أشهر، وهي فترة وجيزة بكل المقاييس ارتهانا بالفترة الزمنية للمواسم السياحية في مكان واحد ، بل إن الإحصائيات تشير إلى أن أكثر من 528 الف زائر توافدوا إلى المحافظة في شهر أغسطس 2023.
وتشير كذلك إلى أن عدد الزوار بلغ 924.127 زائرا ارتفاعا من 792.980 زائرا في موسم 2022 بارتفاع بلغت نسبته 17% مقارنة بالموسم الماضي وهي نسبة جيدة في المقارنات السياحية لنمو السياحة في المواسم المتماثلة في دول العالم.
ومن الدلالات الكبيرة التي تعكسها هذه الأرقام أن هذا الموسم يشير لتنامي الزوار في السنوات القادمة بحول الله تعالى، بل إن الزيادة تبعث على التفاؤل إزاء المستقبل السياحي بالبلاد وتلك حقيقة يتطلب التفاعل معها إيجابا من جانب المستثمرين من خلال التوسع في المنشآت الفندقية وإيجاد خدمات نوعية للزوار تعظم من القيمة المضافة لهذا القطاع وتعمل على زيادة الإنفاق السياحي مع الإستمرار في الترويج مع التوسع في المنشأت الايوائية على وجه الخصوص ، مع السعي الدؤوب لاستقطاب المستثمرين من داخل سلطنة عُمان وخارجها مع التأكيد على حقيقة أن العائد على الاستثمار في القطاع خلال فترة زمنية مجز ويغري بالدخول إليه بغير تردد ، فقط يحتاج للتحلي بالصبر الجميل ، فالسياحة كما يعرف الجميع كل متكامل مع كافة أجهزة الدولة التي لديها أولوياتها التنموية الملحة وتمضي وفق أسس علمية في توفير كل الخدمات اللازمة لرفد هذا القطاع ، فضلا عن أن الاستثمار في المنشآت الإيوائية والخدمات السياحية هي مسؤولية الشركات التي تعمل وفق منظومة الجدوى الإقتصادية الصرفة ، ولكن يجب علينا التحلي بالإنصاف لنقول بعدها أن ما تحقق في محافظة ظفار وما لمسناه من الزوار وما عبروا عنه يدعو للكثير من الارتياح إزاء تقدم منظومة القطاع السياحي بثقة واقتدار.
ومن الدلالات المهمة التي كشفت عنها الإحصائيات المبدئية أن الزيادات تشير إلى ارتفاع في نسبة الزوار العُمانيين بـ 16.4% مقارنة بالموسم الماضي ، إذ بلغ عددهم 565.119 زائر ، أي ما يعادل ثلثي عدد الزوار للمحافظة ، وهو ما يعكس حقيقة أن السياحة الداخلية تشكل النسبة الأعلى من الزوار لمحافظة ظفار، بل تُعد المرتكز الأساسي لنمو القطاع السياحي في سلطنة عُمان عموما، والتي نعول عليها في كل الظروف والأحوال، وهو ما يجب استثماره في المرحلة القادمة من خلال زيادة الحزم السياحية الداخلية والترويج لها.
ولا نغفل هنا ارتفاع عدد الزوار من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من 134.309 إلى 156.953 ، وهي نسبة جيدة تزيد بمقدار 23.000 عن الموسم الماضي.
ومن الدلالات المهمة كذلك ارتفاع عدد القادمين إلى محافظة ظفار عن طريق الجو بنسبة 36% عن الموسم الماضي مما يعكس تنامي نسبة استخدام المجال الجوي وهو مؤشر جيد لتحريك قطاع الطيران وتشغيل المطارات، وكذلك تحريك قطاع تأجير المركبات في الموسم وغيرها من الخدمات ذات الصلة، وهذا يؤشر إلى ما لعبه الطيران العُماني وطيران السلام في زيادة عدد الرحلات الداخلية إلى معدلات كبيرة وتسخير إمكانياتهم لإنجاح الموسم ، فضلا عن تسيير رحلات مباشرة بين المطارات الخليجية ومطار صلالة أسهمت في ارتفاع أعداد القادمين عبر المجال الجوي ، وهي جهود تشكر عليها شركات الطيران في تعزيز الموسم السياحي ، وتكامل الجهود بين الشركاء في القطاع يعكس مدى الانسجام بين كل الأطراف .
الإحصائيات أكدت أن أعداد القادمين لمحافظة ظفار عبر النقل البري بلغت ما يزيد عن 714.520 زائر وهو ما يتطلب استثمار هذا الجانب من خلال العديد من الطرق التي تسهم في زيادة الاستفادة من القادمين عن طريق المنافذ البرية وبلورة الخطط الهادفة لإضفاء المزيد من التسهيلات وضبط الممارسات الخاطئة على القطاع السياحي ومقوماته من جانب مستخدمي المركبات.
وما يتوجب الإشارة إليه في هذا الصدد أن هذه الإرتفاعات والزيادات لم تأت من فراغ بل كان وراءها ترويج منظم بعناية على الصعيدين الداخلي والخارجي، حيث عمدت وزارة التراث والسياحة بالتعاون مع شركاء القطاع بمنهجية دقيقة شملت الترويج في وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي وإبرام الشراكات مع شركات الطيران والمنشآت الفندقية لتنفيذ حملة ترويجية مشتركة تتضمن الباقات والحزم الترويجية المغرية وكذلك الترويج لمحافظة ظفار في المؤتمرات وأسواق السفر والسياحة الإقليمية والدولية.
كذلك تعد الفعاليات والمناشط التي تم تنفيذها خلال الموسم هي العمود الفقري للجذب السياحي حيث كان هناك حرص على أن تكون الفعاليات ملبية لتطلعات وأمزجة كافة شرائح السياح وليتسنى للجميع الإستفادة من تنوع المنتج السياحي بالمحافظة.
ولا نغفل بطبيعة الحال الجهود التي بذلت هذا الموسم الإستثنائي وما تم عمله وإنجازه على صعيد البنية الأساسية سواء على صعيد تهيئة الطرق الرابطة بين المواقع السياحية والعيون المائية لتستوعب كثافة الإستخدام خلال فترة الموسم ، وتنفيذ أعمال إنشاء وصيانة الطرق لتوفير بنية آمنة ومتكاملة وموازية للتنمية العمرانية والإقتصادية من ناحية أو من خلال البنية الأساسية السياحية المتمثلة في المنشآت الإيوائية حيث بلغ عدد الفنادق المرخصة 43 فندقا بالإضافة إلى 7 منشآت فندقية تدخل ضمن الطاقة الاستيعابية للإيواء الفندقي لتوفر جميعها خيارات إقامة متعددة مع جهود التأكد من جودة الخدمات المقدمة.
وتبقى الإشارة إلى أن النجاح الاستثنائي لموسم الخريف عزز من الدور التنموي المنوط بالقطاع السياحي حيث أن لهذا النجاح انعكاسات إيجابية على قطاع الأعمال بالمحافظة من خلال الرواج الذي شهدته أعمال القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وكذلك الأسر المنتجة والحرفيين والذين تزخر أسواق ظفار بمنتجاتهم الإبداعية .
بالطبع الكمال لله وحده لكن التطوير كما وكيفا للقطاع السياحي ماضي وفق خطط متوازنة ووفق المستهدفات الموضوعة ، ومن بينها القطاع السياحي في محافظة ظفار الذي يستاثر بنصيب وافر من الخدمات والإستثمارات.
نأمل أن تشهد المواسم السياحية القادمة تطورات أكبر تلبي الآمال والتطلعات مستفيدين بنحو صارم من كافة الأرقام والإحصائيات التي أفرزها هذا الموسم ، ومن ثم البناء عليها بنحو علمي دقيق ، فالمجال السياحي يخاطب الوجدان الإنساني وكل ملكات الإحساس بالجمال والروعة ، وكل ما قمنا بتلبية هذه الملكات بتقديم الأفضل فوق الأفضل فذلك يعني إننا في الطريق الصحيح المفضي لتحقيق الريادة في هذه الصناعة الصعبة ..