محمد محمود عثمان يكتب: الدور السلبي لوسائل الإعلام .. والأزمات الاقتصادية

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٨/سبتمبر/٢٠٢٣ ١٧:٢٥ م
محمد محمود عثمان  يكتب:  الدور السلبي لوسائل الإعلام .. والأزمات الاقتصادية
محمد محمود عثمان

لا يمكن أن نعزل دور وسائل الإعلام كعنصر من العناصر السلبية التي أسهمت في رسم وتشكيل الأزمات الاقتصادية ،التي تعاقبت على العالم في السنوات الماضية 

،كما حدث في الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008،فقد أشارت دراسات علمية إلى أن وسائل الإعلام أخفت الكثير من المعلومات عن الفضائح المحاسبية للشركات والبنوك الأميركية، ولم تقم بدورها ، في الكشف عن المخاطر التي يتعرض لها العالم بسبب سيطرة الشركات والمؤسسات الصناعية ، على وسائل الإعلام التي تناصرها في الباطل قبل الحق ، وعدم قدرتها على نقدها ، ودليلنا على ذلك أن دراسة المضمون الذي تقدمه وسائل الإعلام الغربية توضح أن المحتوى لا يخلو إلا من التركز على مجرد التغطية الوصفية للأحداث الاقتصادية، ولم يتطرق إلى الجوهر ، كما لم تقدم رؤية نقدية متخصصة لهذه الأحداث بالرغم من السلبيات الناتجة عنها، والتي لا تخفي على أي متبصر واع ، لذلك فإن تفاقم الأزمات كان بسبب ضبابية التعامل معها، الناتجة عن عدة اعتبارات أولها التكوين المهني للصحفي أو الإعلامي والمناخ الذي نشأ فيه ، واستعداد وطبيعة بعض العاملين في المجال ، التي جُبلت على التزلف والنفاق ولا يمكنهم ممارسة غير هذا النمط ، وأن يكونوا مجرد أبواق دعائية جوفاء على الرغم من الصوت المرتفع، وهم غالبية وتمثل عبئا على منظومة الإعلام ، الذي يتلقى الاتهامات بالتخلي عن دوره في كشف الحقائق وإلقاء الضوء عليها ،والتحذير من المخاطر، ومواجهة سوء الإدارة أو الفساد، الذي لا يعني فقط الفساد المالي بل يشمل القرارات الإدارية والفساد في التفكير وفي معالجة القضايا الاقتصادية ، وحتى في وسائل الإعلام ذاتها التي قد تنحرف أو تتخلى عن رسالتها في التوعية والتثقيف والتوجيه والنقد والتحليل ، وهو حق للمجتمع والتقصير فيه أو عنه نوع من الفساد الذي يستوجب مساءلة ومحاسبة وسائل الإعلام ، والمسؤولين عن إدارتها ، باعتبار أن وسائل الإعلام والصحف هي لسان البلاد وصوت العباد في مواجهة الظلم أو الجنف أو الخلل والشطط في أي مكان وكل زمان ، أو هكذا يجب أن تكون ، لأن المشاكل الاقتصادية التي نعاني منها في الدول النامية ، تتم تحت غطاء إعلامي مكثف ساهم في تزييف الوعى لدى المتلقين ، ثم إن وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة إذا افتقدت إلى الحياد والموضوعية سوف تتجه إلى التقوقع والانغلاق على تحقيق المصالح الخاصة على حساب الصالح العام ، ويستوي في ذلك الإعلام الرسمي الحكومي أو الخاص ، التي تنحصر رسالتهم الإعلامية في الدفاع عن السُلطات بمختلف توجهاتها أو بغض النظر عن مستوى أدائها، وهذه هي الطامة الكبرى ، عندما تكون الرسالة الإعلامية خالية من المضمون الهادف، أو يكون دورها هو التغطية على بعض الأحداث أو الأخبار الاقتصادية أو غيرها ، لإلهاء الناس عن واقع أو وقائع بعينها أو للترويج لها ،

والتفرغ إلى تضخيم وتعظيم وإبراز الإنجازات الحكومية التافهة قبل الجيدة ، وحجب غير ذلك من الإخفاقات ، بما يمثل جانبا واحدا لصورة الواقع وإظهار نصف الحقيقة من خلال تجهيل أو تغييب الحقائق ، التي تسفر في النهاية إلى تزييف الوعي وإبعاد الرأي العام المستنير من العلماء والمفكرين عن التصدي للسياسات والمسارات الاقتصادية والسياسية التي تحتاج إلى مراجعة أو تصحيح في الوقت المناسب قبل استفحال الأزمات المجتمعية 

، حيث تتميز وسائل الإعلام في الدول النامية بقدرتها على قلب الحقائق وتصوير الأمر على أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان ، ولذلك قد تجعل من المتخاذلين أبطالا ومن الأقزام عمالقة ومن الطغاة رحماء ومن الجبناء شجعانا ومن اللصوص شرفاء ومن الدكتاتورية ديموقراطية ، نتيجة لعدم الالتزام بالقيم والمبادي الصحفية والإعلامية والمواثيق المهنية في تناول الحقائق الاقتصادية التي يحصل عليها الصحفيون ، والتركيز في الصفحات الاقتصادية المتخصصة على أسعار الأسهم والسندات، وأرباح الشركات، والحسابات الختامية ، التي يتم تناولها بدون تحليل أو إرشاد ، يُوضح ويُقرب دلالات الأرقام والبيانات أمام جمهور المتلقين ، ويوضح لهم أسباب المكاسب المتوقعة والخسائر و المخاطر المحتملة من شتى التعاملات في أسواق المال، بعد أن تعود الإعلاميون على الاعتماد على المصادر الرسمية في الحصول على المعلومات المُعلبة التي تقدم جاهزة لوسائل الإعلام ، لتعطي انطباعات غير واقعية أو دقيقة عن الأوضاع الاقتصادية تحت مظلة أو شماعة الإعلام التنموي، 

 وعادة هذه المعلومات مصنعة لتخفي الكثير من البيانات الاقتصادية التي يحتاجها الجمهور بغرض تجميل صورة المؤسسات أو الشركات، ورسم صورة إيجابية لها على غير الواقع .