بدأ العام الدراسي الجديد وبدأت الإتهامات تنهال على المدارس والمعلمين والمعلمات والمديريات التعليمية ، ثم تستطيل لتصل إلى وزارة التربية والتعليم كأمر طبيعي بإعتبارها رأس الرمح في المنظومة التعليمية برمتها والمنوط بها إيجاد سبل الإرتقاء بها ومعالجة العجز الذي يعتري مفاصلها وتقوية الضعف الذي يصيب عضلات ساقيها وساعديها إلى غير ذلك من الجدل السفوطائي الذي يدور طوال العام .
إلا اننا يجب أن نكون أكثر واقعية في هذا الجانب لنصل لحقيقة أن هذه الإتهامات لن تغير من الواقع شيئا ، وأن بعضها ليس واقعيا ولا موضوعيا في الأساس ، وأن بعض منها يندرج تحت باب التنصل من الأدوار المطلوبة في مثل هذه الأوضاع والظروف التي تتشابه فيها دول العالم رغم إختلاف ظروفها.
هنا فإن المسألة تتطلب منا أن نضع أنفسنا كأولياء أمور مكان اخواننا واخواتنا المعلمين والمعلمات وأن نتخيل أنفسنا مدارس قائمة ومديريات حاضرة ، وأن نضع أمامنا الحقائق الموضوعية والساطعة كالشمس والقائلة أن الإمكانيات محدودة ، والمتطلبات متزايدة عاما بعد الآخر ، وأن الأوضاع ستظل تراوح مكانها على ضوء الظروف الإستثنائية التي مرت وتمر بها البلاد ، فماذا عسانا نفعل في هكذا ظروف ، وهذا هو السؤال المحوري والواقعي والذي يتعين أن نلتف حوله في إطار حلقات نقاش موسعة تبتغي الوصول لحلول متفق عليها ، بداية لابد من أن نعمل سويا مع كافة أطراف العلاقة المدرسين والمدرسات والمدارس والوزارة للنهوض بالعملية التعليمية بدلا من هذا التراشق السلبي معنى ومغزى .
اليوم الحقائق تقول أن أي ولي أمر من الجنسين لديه في المتوسط معدل خمسة أبناء في أعمار متفاوتة ، وفي المقابل لدى المعلم أو المعلمة في الصف ما يزيد على 40 طالبا وطالبة ، وعلى ولي الأمر أن يضع نفسه مكان المعلم وليسأل نفسه هل يستطيع أن يدير هذا العدد من التلاميذ في مكان واحد ووقت الحصة لاتزيد عن 45 دقيقة على أقصى تقدير ، بالقطع أن ولي الأمر سيقر بصعوبة المهمة ، فهو وفي المنزل يجد صعوبة بالغة في إدارة ومتابعة 2 ـ 3 من الأبناء ومراجعة دروسهم وزيارة المدرسة بنحو دوري للتأكد من سلامة الإنضباط واجب الإتباع مابين المدرسة والبيت في إطار إستكمال العملية التربوية والتعليمية .
وإذا كان الأمر كذلك فلنا أن نتمعن في حقيقة أن المدرسة بها مئات من التلاميد جميعهم تحت رعاية هذا العدد المحدود من المعلمين إشارة إلى أن هناك مدارس بجنوب الشرقية بها حوالي 1.500 طالبا ، ومع هذا وفي ظل هذه الحقائق نقوم كأولياء أمور بإلقاء كل اللوم ببساطة على المدرسة متناسين تماما هذه الوقائع والظروف .
أما الوزارة فلديها ما يزيد 750 ألف طالبا وطالبة تديرهم وفق ميزانية محدودة ، كل هذه المعطيات والظروف تحتم علينا التكامل مع المدرسة والمعلمين والمعلمات ، ومن ثم تحمل مسؤولياتنا عندما تتدنى مستويات أبناءنا ، وهنا يكمن دورنا في إكمال أي نقص في العملية التربوية والتعليمية ، وعلينا أن نضع أنفسنا مكان كل من المعلم والمدرسة والوزارة ثم نتحدث إنطلاقا من ووقوفا حفاة القدمين على تلك القاعدة الحديدية النارية الساخنة .
فالحكومة عبر وزارة التربية والتعليم توفر كل أساسيات التعليم تلك حقيقة مثلى ، وعلينا نحن كأولياء أمور أن نعيد النظر في العلاقة في حالة كوني معلم أو مدرسة وبين حالة كوني ولي أمر ، ومن بعد ذلك علينا ترتيب الأدوار والمسؤوليات ، ومن ذلك الموضع فقط لاغيره يمكننا أن نتجاوز وضعية اللوم وتبادل الإتهامات وصولا لشراكة تربوية تعليمية ذكية ناجحة .
بالطبع لا نخلي مسؤولية وزارة التعليم ولا المديريات ولا المعلمين والمعلمات من مهمة تطوير العملية التعليمية وتجويدها ، لكن الأمر في المقابل وفي ظل هذه الظروف على أولياء الأمور دور أكبر يتعين الإضطلاع به حتى لا تضيع الأجيال وسط التراشق بتبادل اللوم وإلقاء الإتهامات .
نأمل أن نعيد صياغة الأدوار بنحو محكم في إطار هذه المنظومة التعليمية التربوية والتي ومن حياضها نقدم للوطن الأبناء البربرة المتسلحين بالعلم والأدب والتقوى والذين سيقودون الوطن بما فيه ومن عليه لرحاب المستقبل ووضعه في المكان اللائق به علوا وشموخا بين الأمم .
علي بن راشد المطاعني