التعافي الاقتصاد قد يتأخر نتيجة لعوامل متعددة ، بعضها خارج عن إرادتنا والبعض نصنعه بأيدنا لا بيد عمر كما يقال، لأن الحرب على أوكرانيا متعددة الأطراف والأهداف وأوكرانيا هي مخلب القط الذي يبدو في المشهد،وهو لا يعكس كواليس المسرح العالمي ،حتى أن اضطراب أنماط الطقس عالمياً واشتداد درجات الحرارة أو البرودة له تأثيرات سلبية إلى جانب سلال الإمداد ، من تلك العوامل ، ثم العامل الجغرافي الذي نجد تأثيره المباشر في أوروبا لأنها الأكثرقربا و اتصالاً ببؤرة الصراع في قلب المجال الحيوي لروسيا. والناتو،الذي لا يخرج عن كونه صراع بين روسيا وأمريكا على أحادية القطبية في العالم سياسيا واقتصاديا ، على أمل استنزاف روسيا اقتصاديا مع فرض العقوبات عليها ،ولأن مشاكل المناطق المتجاورة تنتشر وفق نظرية الأواني المستطرقة ما يؤثر على التعافي الاقتصادي ، فقد استدانت أوروبا مئات المليارات من اليورو كدعم حكومي وضخته في شرايين الاقتصاد حتى يسترد النمو الأوروبي شيئاً من عافيته في عام 2022، بعد الركود الذي العالمي الذي صاحب جائحة كورونا، ولكن معظم الاقتصادات في منطقتنا العربية تعثرت لعدم قدرتها على مواجهة الأزمة بالنمط الأوروبي، ومن العوامل التي ساهمت في تأخر التعافي الاقتصادي عربيا، بالإضافة إلى العوامل السابقة ، ما تولد لدينا ذاتيا من عوامل ونحن اللاعب الأساسي فيها من داخل الملعب وليس من خارجة ، لأنه إذا كان اللاعب ليس في لياقته الاقتصادية ، من حيث البنى الإدارية والتحية والفوقية والتشريعية والتطبيقية والتنظيمية والعقلية والفكرية فإنه لا يمكن لنا التواجد في حلبة التنافس مع الآخرين ، لأننا نضع العقبات والتحديات أمام أي بارقة أمل قريبة ، لأن المدخلات سيئة والتالي المخرجات ستكون من جنس العمل ، وبديهيا ستكون النتائج ليست في صالح التعافي الاقتصادي الذي نسعى إليه وننشده، نظرا لتسارع التضخم بمعدل أعلى من نمو الدخل القومي الحقيقي وهو أمرٌ غبر محمود ، للاقتصاد و لحياة ومعيشة المواطن، الذي يئن من وطأة الضغوط السعريةعلى كل السع والمنتجات المستوردة ، والذي امتد إلى كل ما هو محلي عشوائيا وبدون رقابة أو ضوابط ،بدواعى ومبررات استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، وقرار روسيا بالخروج من اتفاق الغذاء ، ما دفع البنوك المركزية إلى اتباع سياسات انكماشية لاحتواء التضخم ومنها رفع الفائدة ،وأثر ذلك على الاستثمارات ، وتباطؤ الأنشطة الاقتصادية،والدفع بالاقتصاد العالمي خطواتٍ شاسعة إلى الخلف ، وقد لا يلاحظ البعض وحتى من المسؤولين من غير المتخصصين أعراض التباطؤ القائم بصورةٍ أوضح في عامي 2023 ثم في عام 2024 ، ونجد ذلك في استمرار معدلات النمو أدنى من معدلات التضخم ، وهذا مؤشر مُقلق إلى درجة كبيرة، حتى أن الاقتصاديات الغربية التي شاركت أو طاوعت أمريكا في فرض العقوبات على روسيا ، تشعر بأنها عاقبت شعوبها بهذه العقوبات ، المُتعدية بآثارها على معظم شعوب الدول التي لا تملك احتياطيات استراتيجيية من احتياجات المواطنين ، وخاصة التي تمتلك رصيدا كبيرا من الفساد وسوء الإدارة ،الذي يؤثر بدوره على حركة وتدفق الاستثمارات التي تواجه البيروقراطية المتجذرة في عقولنا وفي التشريعات وفي الاجراءات المعوقة لكل استثمار ، الأمر الذي يفاقم من مخاطر التباطؤ الاقتصادي، بعد أن كبدت الحرب الروسية الأوكرانية الجارية الاقتصاد العالمي 1.3 تريليون دولار في عام 2022، في الوقت الذي لم يتعاف فيه الاقتصاد العالمي من جائحة كورونا بشكل كامل بعد.وحتى قبل اندلاع هذه الحرب، التي خلفت تداعيات إنسانية فادحة ستؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي ورفع معدلات التضخم. وحدوث صدمات في الاسواق المالية ستؤدي إلى حالة ركود، واضطرابات اجتماعية تؤثر على استقرار وأمن المجتمعات ، لأنه لن تجدي كثيرا بعد ذلك محاولات الإسراع في التعافي الاقتصادي ،إذا لم نضاعف من ساعات العمل الفعلية ، والتوسع الرأسي لزيادة الإنتاج وتحسين الإنتاجية ، وتجويدوتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة البشرية والطبيعية ، والتركيز على الاستثمار ، وإزالة المعوقات التي تقف حجرة عثرة في سبيل تعزيز النمو الاقتصادي، وتحول دون التعافي الاقتصادي ، وعلينا ألا ننتظر طويلا لإنتهاء هذه الحرب ،لأن الطريق إلى التعافي شاق، ويحتاج إلى نفس طويل ، حتى نعوض خسائر الاقتصاد ويعود إلى طبيعته ، وحتى لا نستسلم للواقع المؤلم الذي يفرض علينا مستقبلا أكثر إيلاما ،تفرضه مخاطر الكساد الاقتصادي .