أمهات المتوحدين يروين قصص الحـب والـدمـع والأمـل «3-3»

بلادنا الخميس ١٢/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٢٠ ص

مسقط - لميس ضيف

نختم اليـــوم سلسلتنا التــــي نأمـــل أن تكون قد وصلت لضمائر المعنيين، بلقاءات إضافية مع أولياء الأمور.. وبحوار مع الاستشارية النفسية د.منى الشكيلية، مؤسسة حملة «توحدي هو سري».

كيف نعتني بهم؟

«أنجبته عندما كنت في السعودية.. كان رضيعاً كثير البكاء».. هكذا تتحدث عايدة حسن عن طفلها الذي يبلغ اليوم السادسة من عمره.. «كنت أتردد به على المشفى بشكل مستمر فيُقال لي إنه يعاني من المغص. مغص لمدة عام!! ومغص لا تنفع معه لا علاجات الجدات ولا طب الأطباء.. كنت أسأل نفسي دوماً وكان لسان حالهم كلما رأوني القول: ارحمي نفسك وارحمي الطفل ولا تأتي كل حين.. ولكن صرخاته وحيرتي كانا يأخذان خطاي للمشفى مرة بعد مرة».
وتضيف: بعد عام ونيف عدت للديار.. وأخواتي هن من ارتبن في أمره.. «افحصي سمع ابنك».. قالوا لي.. «لا يلتفت عندما نناديه»، فأخبرتهن بأنه يتثاقل أو يتدلل كما يفعل معي، ولكن الإجابة لم تقنعهن. كان يحب قناة طيور الجنة ويتلهى بها أثناء قيامي بواجباتي المنزلية وكان يأتي مسرعاً كلما سمع صوتها، لذا استبعدت احتمال الصمم ولكني -رغم ذاك- أخذته للفحص. عندما قال لي طبيب العائلة إن سمعه سليم ابتسمت ولكن ابتسامتي ضاعت عندما قال لي إنه يشك بأنه مصاب بالتوحد..

في المربع الأول

تقول عايدة: لم أكن قد سمعت بمصاب بالتوحد من قبل، وكنت أظن أن المتوحد هو فقط شخص لا يحب الاختلاط بالناس، وهذا هو حاله بالفعل في مستشفى الجامعة لكونه لا يعاني من فرط الحركة وانعدام التركيز كغيره. ولكنه في النهاية صُنف كمتوحد لأن لديه صفات التوحد وكثير من علاماته.. ورغم مرور أعوام على هذا الاكتشاف إلا أني ما زلت في المربع الأول، فأنا أعجز عن التعامل والتفاهم معه.. إنه يبكي بحرقة كلما أراد شيئاً ولا أستطيع تحديد ما يريد.. أفترض دوماً بأنه جائع أو عطشان، ولكنه قد يكون متألماً من بطنه أو ما شابه.. قبل فترة أصيب بحرق في يده ولم يتمكن من توصيل الفكرة ولم يبك ولم أعرف بالأمر إلا عندما لاحظت أنه ينفخ على يده..!
تتنهد وتواصل: إننا كأولياء أمور لا نجيد التعامل معهم. ألحقنا ابني بدار الرعاية ولمسنا تطورا وفرقا ولكن.. نريد أن يكون لنا دور في تأهيله. لقد طالبت المسؤولين بأن يسمحوا لي بالوجود معه لأتعلم كيفية تدريبه فرفضوا بدعوى أن وجودي حوله «سيشتت تركيزه» فما هو العمل؟
وأضافت: أمر آخر يقلقني هو محدودية ما يتم تعليمه هناك.. منذ عامين وهو يلقن الألوان فقط وأمور بسيطة جدا ولا أرى أنه يميز الألوان بعد.. استعلمت عن ذلك فقيل لي: إنه يخزن المعلومات! حسناً.. إن كان يخزن المعلومات فلم لا يتم تعليمه الأرقام والأحرف أيضا؟!.. فكرت أن أدخله مدرسة خاصة لعدم اقتناعي بمنهجية التعليم في المراكز ولكن مديرة المركز ثبطتني وقالت لي: لا تعيديه لنا إذا انتكست حالته، فهو أشبه ما يكون بطالب إعدادية فكيف تدخلينه لكلية الطب؟.. شككوني في قراري ونفسي رغم أن حدس الأم يقول لي خلاف ذلك.. استعنت بمركز خاص لتطوير نطقه ولمست حرص الطبيبة الأجنبية على أن أجلس بالخلف في كل جلسة لأتعلم منها كيفية تدريبه على النطق وأنا ممتنة لها لذلك وأتمنى من المراكز أن تحذو حذوها.
وتختم شجونها بالقول: لست راضية عن المستوى الذي أرى طفلي عليه، وأراه وأمثاله أذكياء ولديهم طاقات، والمجتمع هو من يملك القرار، فإما أن يحولهم إلى أناس منتجين أو إلى عالة على غيرهم، وأعتقد صدقاً أن هناك الكثير مما يمكن تقديمه لابني ولأمثاله ولكن..
وصمتت بعدها، كأن الكلمات تزاحمت عليها حتى ضاعت..

هذه رسالتي للأمهات

لم تكن فاطمة البلوشية تعتقد يوماً بأنها ستكون في هذا الموقف.. إنها لم تسمع بالتوحد من قبل ولم تر في طفلها ما يستدعي القلق.. لكنها سرعان ما وجدت نفسها في مواجهته.
وعن ذلك تقول: كان طفلي هادئاً رغم نشاطه الملحوظ.. وفي شهره السادس عشر نطق كلمتي ماما وبابا فأضاء حياتنا بصوته.. لكنه عاد وانتكس مما سبب لنا قلقاً شديداً.. شخصوه كمتوحد وبدأت رحلة علاجه في مراكز التأهيل. وقد لاحظت تطوراً ملحوظاً في حالته.. بعد أشهر معدودة من بدء العلاج أصبحت أستغنى عن «الحفاظة» وصار قادراً على استخدام دورات المياه.. كما تطور وعيه أيضاً بعد أن صار ينعم بمتابعة المختصين وأصبح ينادينا من جديد، والحمد لله.. لذا فرسالتي لكل الأمهات اللواتي يكتشفن المرض هي: لا تقنطن.. الطفل التوحدي متعب.. ومتعب جدا، لكن، بكثير من التضحية والصبر ستقطفن ثمار الكفاح في أطفالكن هؤلاء..

حالة توحد بين كل 165 طفلاً

د. منى الشكيلية طبيبة نفسية للأطفال والمراهقين ومؤسسة حملة «توحدي هو سري»، تتحدث عن أهمية التشخيص المبكر.. والعلامات الأولى التي يجب ملاحظتها فتقول: كثيراً ما نرى حالات لأطفال في السادسة أو السابعة من العمر لم يشخصوا بعد، وهو أمر مؤسف ومحزن بحق لأن التشخيص المبكر والتدخل المبكر يُحدثان فرقاً مفصلياً في حياة المتوحد.. فالإشكالية الأساس لدى الطفل التوحدي هي أنه يحتاج لأشهر ليتعلم ما يتعلمه غيره في دقائق.. فغسل اليد -على سبيل المثال- عملية بسيطة يتعلمها الطفل الطبيعي في دقائق ولكنها تستغرق ردحاً من الزمن لدى المتوحد.. لذا فنحن بحاجة لتشخيص الطفل وتصنيفه مبكراً، فهناك طفل متوحد بقدرات طبيعية وآخر بقدرات أقل.. وهناك طفل توحدي لديه قدرة على الاعتماد على نفسه مقابل آخر يعتمد على غيره جزئياً أو كلياً.. وكل هذه أمور تتضح عبر رحلة العلاج المتواصل..

العلامات المبكرة

سألناها: هل هناك علامات مبكرة يمكن للأمهات ملاحظتها؟ فأجابت: بالطبع.. وهي كالتالي: من المفترض أن يبتسم الطفل ويتفاعل بتعابير وجهه مع أمه خلال الأشهر الستة الأولى بحد أقصى، فإن لم يحصل ذلك فهو مؤشر على وجود خلل لا سيما إن لاحظت الأم غياب التواصل البصري.. كما أن الطفل التوحدي يهتم بالأشياء أكثر من الأشخاص خلافاً للأطفال الطبيعيين الذين يهتمون للأشخاص من حولهم أكثر من الأشياء.. إلى ذلك فمحاولات الطفل للنطق يجب أن تبدأ من الشهر الثامن أو التاسع، فإن لم يحصل ذلك فإنه ناقوس خطر يحتم على الأم أن تتحرك.

وبالنسبة للإحصائيات المتعلقة بالتوحد تقول: ليست هناك إحصائية حديثة ولكن الإحصائية التي عرضها د. يحيى الفارسي قبل سنوات تؤكد وجود حالة توحد بين كل 165 طفلاً ومشاهداتنا تقول إن العدد أكثر من ذلك بكثير.

وعما ينقص السلطنة في هذا المضمار تقول: هناك 5 أطباء فقط على مستوى السلطنة قادرون على تشخيص التوحد، وهو عدد ضئيل جدا.. أما المشكل الأكبر فيبدأ بعد التشخيص، وليست هناك خارطة طريق للتعامل مع هذه الشريحة.. وليست هناك مراكز متخصصة. والمراكز الموجودة للمعوقين لا تساعدهم بشكل كبير، بل قد تتسبب بتأخر بعض الحالات لأن طبيعة التوحدي تنزع للتقليد وهو ما يؤذي نموه وتطوره خصوصاً لو كان من ذوي القدرات الطبيعية نسبياً..
وتنصح د. منى أولياء الأمور بالتحرك مبكراً في سبيل النهوض بأطفالهم.. وترى أن المركز الوطني للتوحد الذي سيرى النور كما هو مزمع سيغير الكثير في حياة هذه الفئة وذويها بطبيعة الحال.

وزارة التربية

قمنا في «الشبيبة» بمخاطبة وزارة التربية والتعليم متمثلة في إدارة العلاقات العامة للمشاركة في الموضوع والرد على تساؤلات الأهالي المشروعة، ولم نجد رداً حتى ساعة نشر هذا الموضوع.
تم الاتصال بممثل الوزارة في 14 أبريل الفائت وتوجيه رسالة في 21 أبريل، وقد وعد المعنيون بالوزارة بالرد في الأسبوع الذي يليه.. ولم نجد رداً.. في 27 أبريل تمت مخاطبة ممثل الوزارة عبر رسالة نصية لتذكيره بالرد وإخطاره بأن الموضوع تأخر لأسابيع رغم جهوزيته بسبب مماطلتهم في الرد، فرد طالباً مهلة إضافية وقد تم منحه المهلة دون جدوى.
ونحن إذ ننشر أدناه الأسئلة الثلاثة التي وجهت للوزارة فإننا نهيب بالمسؤولين التعاون مع الصحافة بما يخدم مصلحة الوطن والمواطنين، علما بأننا في «الشبيبة» حريصون دوماً على طرح الآراء كافة ووضعها بين يدي القارئ، ما يتطلب تعاون «الأطراف كافة» لتحقيق ذلك..
الأسئلة التي كنا ننتظر إجابة الوزارة عليها هي:
السؤال الأول: سمعنا عن وجود خطة لدمج المتوحدين في المدارس الحكومية.. إلى أين وصلت تلك الجهود؟ وإلام أفضت؟ وهل نتوقع تفعيل هذه الرؤية هذا العام؟ وإن كان الجواب بالنفي فما هو الإطار الزمني المرسوم لتنفيذ هذا المخطط الطموح؟
السؤال الثاني: هل سيتم دمج المتوحدين مع سواهم من التلامذة أم ستكون لهم فصول خاصة ومناهج خاصة؟
السؤال الثالث: كثير من الروضات والمدارس الخاصة ترفض استقبال الأطفال المتوحدين أو تطردهم بعد حين.. فما هو تعليقكم؟ وهل تتم محاسبة تلك الجهات على ذلك؟