علي المطاعني يكتب: عوائد الاستثمار هي الفيصل

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٥/أغسطس/٢٠٢٣ ١٣:٥٢ م
علي المطاعني يكتب: عوائد الاستثمار هي الفيصل

تحقيق عوائد على الاستثمار هي الفيصل في أي أعمال اقتصادية على مستويات الدول والشركات والمشروعات حيث تقاس مستويات الاستثمارات بتحقيق العوائد منها، والمستثمرين دائما ينظرون إلى هذا العائد في كل خطواتهم. كما يقاس جدوى أي مشروع أو صفقات بكم مقدار العائد منه .

على ذلك وعندما يحقق جهاز الاستثمار العُماني أعلى معدل على الاستثمار مقارنة بالصناديق السيادية على مستوى العالم فهو يسجل بذلك إنجازا يستحق أن نفخر به لجهة أن كل الاستثمارات التي دخل فيها حققت المستهدف منها بمعدل 8.8% خلال عام 2022م وفق ما نشرته منصة بيانات صناديق الثروة السيادية العالمية SWE ، وذلك على الرغم من الأوضاع الاقتصادية المتقلبة في العالم والمتغيرات المتسارعة التي تؤثر على الاستثمارات بطبيعة الحال، الأمر الذي يبعث على الارتياح لهذا الإنجاز مما يؤكد أن الجهاز يعمل وفق أسس اقتصادية دقيقة في تعظيم الفائدة على الاستثمارات وطنيا وإقليميا وعالميا ويرفع من مستويات العوائد منها إلى معدلات أكثر من المستهدفة اتساقا مع دراسات الجدوى الاقتصادية والمعايير المحاسبية العالمية المعروفة في قياس الاستثمارات. وتعكس هذه التطورات التي يحققها الجهاز العديد من النجاحات على جميع الأصعدة التي أسهمت في تحقيق الغايات منه، وهو تحقيق أعلى معدل على الاستثمار على مستوى الصناديق السيادية الدولية، ولعل من أهمها دقة اختيار الاستثمارات ومدى جدواها الاقتصادية والعائد منها وحوكمة العمل الاستثماري بصورة دقيقة.

إن التطور الذي يحققه الجهاز على المستويات الوطنية والعالمية يبعث على الارتياح إزاء سلامة النهج الذي يختطه في سياساته الاستثمارية الداخلية والخارجية ‏باعتباره الذراع الاستثماري للدولة مترجما توجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله - ورعاه في إنجاح سياسات التنويع الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل وزيادة القيمة المحلية المضافة، فضلا عن مواكبة مستهدفات رؤية عُمان 2040 في رفد الجوانب الاستثمارية كمحور رئيسي لتحقيقها.

إن تسجيل أرباح بالنسبة المشار إليها يُعد تطورا بحد ذاته في ظل الظروف الاقتصادية الدولية وما تشهده الأسواق العالمية من تقلبات متتالية نتيجة للأزمات السياسية والاقتصادية والصحية التي تراوح مكانها الواحدة تلو الأخرى، إضافة لتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية وتأثيراتها المعروفة على اقتصاديات الدول واستثماراتها.

فهذا المعدل من الأرباح يُعدّ عاليا في الأوساط الاستثمارية لا تحققه الكثير من الاستثمارات المتنوعة داخليا وخارجيا والمتوزعة في أكثر من قطاع، خصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار بدايات الجهاز وهيكلة استثماراته ولملمة شركاته وحوكمتها، مع أن العديد منها شركات خدمات عامة تقدم خدمات رئيسية كأي خدمة تنموية يتطلبها الوطن والمواطن، وهذه الالتزامات الوطنية لا تخضع للأرباح حكما، ومع ذلك تتبع للجهاز كجزء من إستراتيجية تحويلها إلى استثمارات تحقق التوازن المطلوب بين حقيقة كونها خدمات عامة وبين تحويلها لشركات مربحة.

وعلى الرغم من تسجيل بعض الصناديق السيادية الإقليمية خسائر في استثماراتها في عام 2022م وفق التقارير الدولية، فإن تحقيق الجهاز ‏لأعلى معدل عائد على الاستثمار يؤكد نجاح إدارته لاستثمارات البلاد ويعظّم الآفاق المستقبلية، مرتكزًا في ذلك على سياسات واضحة وإدارة حكيمة في العمل الاستثماري الذي يحقق المكاسب، وهذا لا يتأتى إلا من خلال رؤية واضحة لماهية الاستثمارات الناجحة وإدارتها بصورة تحقق نتائج طيبة.

لقد أسهم تحقيق هذه العوائد في ارتفاع أصول الجهاز في نهاية عام 2022م إلى نحو 18 مليار ريال عُماني، ويُعد هذا التطور رافدا لزيادة أصول الجهاز على المدى البعيد في إطار التوسع الكمي والنوعي لاستثماراته ووفقا للظروف الاقتصادية والإمكانات المتوفرة.

وعلى الرغم من التحديات التي تحيط باستثمارات الجهاز فهو ليس بمعزل عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية؛ فإن العائد العام الأكبر الذي أنجزه يتمثل في القيمة المحلية المضافة مع الالتزام بالتوجهات الخاصة بسياسات الإحلال وتمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة .

واقعيا فإن الإحصائيات تشير إلى تمكين أكثر من 4.700 مؤسسة صغيرة ومتوسطة في عام 2022م من خلال إسناد مناقصات وعقود لها بنحو 190 مليون ريال، وواستحداث أكثر من 800 للكوادر الوطنية وغيرها من الالتزامات التي يعمل الجهاز على تحقيقها كجزء من الاستحقاقات الوطنية .

بلاشك أن الأدوار التي يضطلع بها الجهاز في استثماراته الوطنية والدولية تمضي وفق خطة واضحة وذات جدوى اقتصادية تعكسها النتائج الإيجابية التي يحققها في تعزيز خزينة الدولة سنويا من خلال استثماراته الداخلية والخارجية، وبقدر يسهم في ضخ المزيد من الاستثمارات وصولا إلى تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية.

إحصائيا فإن النسبة المئوية التي حققها الجهاز في عام 2022م لاستثماراته تتمثل في 160 شركة داخل البلاد مضافا إليها استثمارات في أكثر من 50 دولة، وهي أرقام تؤشر وتشير إلى النهج السليم الذي يتبعه، وتعامله بحكمة في كل الاستثمارات ومدى جدواها ومحافظته على الاستثمارات الناجحة ودخوله في مشروعات ذات جدوى اقتصادية مؤكدة من بيوت خبرة عالمية، ولتسهم في رسم الخطوط العريضة لمؤشرات الاستثمار والمخاطر المحيطة به من كل الجوانب وفي جميع المجالات، فضلا عن تحليل التوقعات الاقتصادية علميا للوقوف على مدى واقعيتها من عدمها في كل الظروف.

الجانب الآخر ‏في تحقيق هذا الإنجاز هو حوكمة العمل في الاستثمارات الداخلية بشكل يسهم في تحقيق الأهداف منها والارتقاء بالأعمال لتحقيق الأرباح وتخفيض المديونيات الاستثمارية للشركات التابعة للجهاز بنسبة 23.4% خلال عامين، وذلك عبر خطة شملت تسديد 3 مليارات ريال والتخارج من بعض الاستثمارات الرمادية .

ولعل نيل الجهاز المرتبة الثانية عالميًّا في مؤشر تطور أداء الحوكمة والاستدامة بين عامي 2022 و2023 بنسبة ارتفاع بلغت 28% مقارنة بـ 200 صندوق سيادي عالمي، وفقًا لتقرير جديد أصدرته منصة جلوبال إس دبليو إف “Global SWF” يعكس سلامة النهج الذي يتبعه الجهاز في إدارة الاستثمارات داخليا وخارجيا مع التزامه بالأعراف والمبادئ الدولية والقواعد الخاصة بالحوكمة والشفافية، واستيفائه لمبادئ الإفصاح وأصولها وفقا لتأكيدات المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية.

إن ارتفاع أصول الجهاز أسهم في استمراره في رفد الموازنة العامة للدولة بمبالغ وصلت إلى 5.6 مليار ريال عُماني للفترة من 2016م حتى نهاية 2022م.

نامل أن يستمر الجهاز بتوفيق من الله في تحقيق المزيد من الإنجازات في هذا المجال الاقتصادي الحيوي؛ فالدولة تعول عليه خلال المرحلة القادمة لاستدامة النمو الاقتصادي ورفع الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عمان.