مهرجان الفوضى والتقسيم في اليمن !!

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/مايو/٢٠١٦ ٢٣:٥٥ م
مهرجان الفوضى والتقسيم في اليمن  !!

علي ناجي الرعوي

ما شهدته اليمن في الايام الاخيرة وبلغ ذروته الاسبوع الحالي لم يكن مجرد ارتجاجات عابرة وإنما احداث مفصلية وتطورات ساخنة سخونة حمم البراكين التي يتوقع لها ان تتفجر في هذا البلد لتعصف بما تبقى من عوامل وحدته وتماسكه ولحمته الداخلية بما يوحي وكأن على اليمن ان يكون ضحية الحسابات الجيوستراتيجية او احد ضحايا لعبة التوازنات الاقليمية والدولية او حالة الاستقطاب الحاصل في العالم العربي التي تتسارع ايقاعاتها منذ مطلع القرن في اطار ما يعرف بمشروع الشرق الاوسط الجديد الذي تنبئ المؤشرات على انه مازال حاضرا وتلوح تطبيقاته في حقيقة ما يجري اليوم في اليمن وبعض البلدان العربية الغارقة بالأزمات والصراعات والحروب الاهلية.
من نافلة القول ان التعقيدات المتكاثرة على سطح الازمة اليمنية وعمقها هي نتاج اخطاء كثيرة ارتكبتها النخب والقوى والتيارات السياسية والحزبية والقبلية والعسكرية والمدنية فقد فشلت كل هذه القوى في العشرينيتين الفائتتين في ايصال البلاد الى حالة من الاستقرار واليقين السياسي والاجتماعي وأساءت التقدير اكثر حينما اختزلت كل مشاكل اليمن عقب انتفاضة (الربيع العربي) بإمكانية ايجاد مخارج للصراع الناشب على السلطة والثروة عن طريق تراتبية التقاسم والمحاصصة بل انها من ضاعفت تلك الاخطاء بأخطاء جديدة حينما عمدت الى تحويل حوارها الطويل الذي استمر ما يقارب من العام الى نافذة لإعادة احياء الهويات الصغيرة وجعلها في درجة تماثل الهوية الوطنية الجامعة وعلى سبيل المثال للحصر فبدلا من ان تعمل تلك القوى على الذهاب بالدولة الى صعده لإنصاف (الحركة الحوثية) من مظلوميتها الناتجة عن الحروب الستة التي خاضتها الدولة ضد هذه الحركة عملت بكل غباء على دفع هذه الحركة بالمجيء الى العاصمة صنعاء وهو الخطأ نفسه الذي تكرر مع المسألة الجنوبية التي كان غليانها قد ارتفع الى الحد الذي لا ينفع معه الفذلكة السياسية والخطابات التنظيرية والمسكنات الوقتية بل حل هذه القضية بمجموعة من القرارات الجريئة من قبل قيادة الدولة وهو الامر الذي لم يحصل على الرغم من ان رئيس الدولة ورئيس وزرائه ينتميان الى الجنوب ولا تخفى عليهما تلك المعالجات او تعوزهما الوسائل لتصحيح الاختلالات التي كانت قد حدثت في الجنوب وفقا لقواعد القانون والدستور.
وازاء هذه الاخطاء فقد شكلت الازمة الاخيرة انتكاسة عن كل ما سبق وذلك بفعل اختباء المجتمع الدولي وراء تقاعسه عن المبادرة والفعل لاحتواء عوامل الصراع التي بدأت سحبها تتكاثف بتسارع عجيب بدخول التحالف العربي على خط هذه الازمة لدعم شرعية الرئيس هادي وضرب القوة المتنامية للحركة الحوثية التي قال عنها البعض انها من انتقلت من الاحيائية الدينية الى مربع (التشيع السياسي) مستفيدة من تضخم حالة التمدد الايراني في اليمن الامر الذي قد يعرض دول الجوار لأنواع من الخطر والاحتمالات السيئة .. وعلى خلفية هذه الازمة والحرب المشتعلة فقد برزت عوامل عده ظل الجزء الغاطس منها اكبر بكثير مما ظهر على السطح خصوصا بعد ان انغمست بعض القوى الكبرى في تفاصيل هذا الصراع بهدف تمرير استراتيجيتها في هذا البلد بعيدا عن رؤى أصحاب الارض الذين وجدوا انفسهم عاجزين او تائهين في موازاة من يحركون بيادق لعبة الشطرنج على الارض.
وانطلاقا من هذا الواقع فقد رأينا انه وفي الوقت الذي يتحاور فيه اليمنيون في الكويت كانت الولايات المتحدة ودول اخرى تقوم بإنزال قواتها الى قاعدة العند المجاورة لمحافظة عدن والى مناطق اخرى كحضرموت وشبوه تحت ذريعة محاربة التنظيمات الارهابية التي وبمجرد وصول تلك القوات سارعت الى الانسحاب من المناطق التي كانت تتموضع فيها بصورة مغايرة عما هو معتاد من تنظيم القاعدة او داعش اذ انه وعلى الرغم من ان القاعدة قد سيطرت على مدينة المكلأ عاصمة محافظة حضرموت ومدن اخرى في شبوه وابين منذ اكثر من عام فإنها التي انسحبت واختفت من تلك المناطق بطريقة اثارت معها اكثر من علامة استفهام مما جعل البعض وبالذات ممن يعرفون تنظيم القاعدة يصفون ما جرى من كونه عملية وظيفية اضطلعت بها تلك العناصر لصالح القوى الدولية التي لاشك وانها من استخدمت فزاعة القاعدة كشماعة لتبرير وجودها العسكري في اليمن تمهيدا لتنفيذ مخططتها المكشوف بإعادة تقسيم هذا البلد وكما اشار احد السياسيين اليمنيين الى ثلاثة كيانات ضعيفة يمكن السيطرة عليها في نطاق الصيغة الجديدة التي ستصبغ على المنطقة في نطاق الشرق الاوسط الجديد الذي سبق وان افصحت عنه واشنطن قبل سنوات عبر وزيرة الخارجية السابقة كوندليزا رايس وهو ما يعني ان السيناريو العراقي يتكرر بحذافيره في اليمن بعد ان تم تدمير الدولة والجيش ورهن البلاد للوصاية الدولية وتحويلها الى مرتع للقاعدة وداعش حتى يسهل فرض خيارات التقسيم ببساطة شديدة في ظل ملامح التنافر والتباعد والانقسامات المجتمعية التي تتجلى اليوم بين الشمال والجنوب والذي تتسع اثاره بجنوح بعض العناصر الانفصالية الى التطهير العرقي والمناطقي لكل ما هو شمالي في محافظة عدن اكبر مدن الجنوب.
لذلك يخطئ من يعتقد ان ما يحصل في الكويت من حوار بين اليمنيين يمثل اللحظات الحاسمة والمصيرية في تاريخ النزاع القائم حيث وان كل الوقائع تدل على ان الصراع لن يحسم لصالح أي طرف يمني وفي ذات الوقت فان استمرار الحال على ما هو عليه الان هو أيضا غير مسموح به من قبل اللاعبين الكبار وان وحده الوقوف في وسط الطريق هو المتاح حاليا امام اطراف النزاع اليمنية التي يبدو انها من وجدت نفسها غارقة في (الفوضى الخلاقة) ومتماهية مع استراتيجية هنري كيسينجر القاضية بـ (هزيمة الطرفين) والتدخل لفك الاشتباك وتفكيك اليمن تمهيدا لإعادة رسم خرائط سايكس-بيكو الجديدة.
في اعقاب سقوط بغداد بيد قوات التحالف الامريكي في التاسع من ابريل عام 2003م قال محمد الدوري مندوب العراق انذاك في الامم المتحدة مقولته الشهيرة : (اليوم انتهت اللعبة) فقد فسرت تلك العبارة الصادرة من سياسي قريب من الاحداث على وجود لعبة دولية خطيرة على المنطقة العربية وقد تبين بعد مرور ثلاثة عشر عاما انها لعبة اخطر بكثير مما تصوره محمد الدوري نفسه وقديما قالوا : (ويل للعرب من شر اقترب).