حلم الرعاية الصحية لدى الامريكيين

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/مايو/٢٠١٦ ٢٣:٥٤ م
حلم الرعاية الصحية لدى الامريكيين

بيرت روراب

لا يوجد مكان فيه رعاية صحية أفضل من الولايات المتحدة الأمريكية ،هذا بالطبع لو كنت تستطيع تحمل نفقته . إن تحمل نفقة أغلى نظام رعاية صحية بالعالم على الإطلاق ليست بالمهمة السهلة . إن الإنفاق على نظام الرعاية الصحية الأمريكي والذي يعتبر نصفه خاص سيصل إلى 10،651 دولار أمريكي لكل فرد هذه السنة أي ما يعادل 18،4% من الناتج المحلي الإجمالي وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزه الرئيس باراك أوباما من خلال قانون الرعاية بإسعار معقولة والذي يطلق عليه إسم "أوباماكير" وذلك فيما يتعلق بتوسيع تغطية التأمين الصحي ، إلا إن العديد من الأمريكيين ما يزالوا يفتقدون للقدرة على الوصول للتشخيص والعلاج الحديث .
لقد جعل بيرني ساندرز عضو مجلس الشيوخ عن فيرمونت هذا الموضوع من ركائز حملته الإنتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية ومن المؤكد أن يستمر في الترويج لهذه الفكرة في مواجهة هيلاري كلينتون المرشحة المحتملة للحزب الديمقراطي ، لكن لسوء الحظ بينما نتفهم الشعبية التي يحظى بها مقترحه المتعلق بتأمين صحي شامل إجباري أو " رعاية طبية للجميع " فإن خطته ليست مقنعة من الناحية التجارية.
في كل الدول الحديثة يستثنى توفير وتمويل الرعاية الصحية الأساسية إلى حد ما من آليات السوق الخاصة فلو تم تخصيص الخدمات الطبية من خلال أسواق خاصة فإن توفيرها سوف يكون مبينا على أساس القدرة الإقتصادية للمريض وليس إحتياجاته الطبية وهذا يتناقض مع الأفكار الأساسية المقبولة عالميا والمتعلقة بالعدالة.
لكن في الولايات المتحدة الأمريكية فإن الإعفاء من السوق محدود للغاية وفي واقع الأمر فإن الولايات المتحدة الإمريكية تبرز بين نظيراتها من الدول المتقدمة في كيف أن نوعية الرعاية الصحية فيها تعتمد على الملاءة المالية الخاصة للمريض وهذا ما يريد ساندرز تغييره عن طريق تقديم خطة تأمين واحدة وإجبارية وممولة من الضرائب والتي سوف تمنح جميع سكان الولايات المتحدة الأمريكية نفس القدرة على الوصول للرعاية الصحية الأساسية.
إن اقتراح ساندرز يعد منطقيا من حيث علم إقتصاد الصحة ولكن إلى جانب المقاومة السياسية العريضة التي قد يواجهها نظام صحي يعتمد على جهة دفع واحدة في الولايات المتحدة الأمريكية فإن خطة ساندرز لم يتم حساب تكلفتها بشكل يمكن التعويل عليه. إن كل الإقتراضات التي يقوم عليها إدعاءه بإن الإصلاح مجدي من الناحية المالية هي إفتراضات مشكوك فيها فعلى سبيل المثال تفترض الخطة متوسط معدل نمو سنوي يصل لإكثر من 5% خلال العشر سنوات المقبلة وهو أكثر بكثير من نسبة 2% المتوقعة من قبل مكتب الميزانية للكونجرس والذي يعتبر محايد سياسيا كما يتوقع ساندرز كذلك زيادة كبيرة في معدل الأجور وتخفيض معدل الفقر بمقدار النصف.
وفي الوقت نفسه ومن أجل الحد من نفقات البرنامج يجادل ساندرز بإن الحكومة ستكون قادرة على التفاوض على خصومات كبيرة من الصناعة الدوائية مما يؤمن الأدوية الأرخص التي نجدها في الدول الأخرى كما سيتم دفع مبالغ أقل للكادر الطبي مقارنة بما يحصلوا عليه من برنامج التأمين الخاص .
حتى لو تحققت التوقعات الإقتصادية الخيالية لساندرز ونجحت إجراءات خفض التكلفة فإن البرنامج سيكون مكلفا بحيث لا يمكن تغطيته بمعدل الضريبة الحالي ولهذا السبب يناصر ساندرز زيادة معتبرة في نسبة الضريبة على الدخل الأعلى وفرض ضريبة على التعاملات المالية ولكن لو ذهبت تلك الإيرادات لتمويل الرعاية الصحية الشاملة ، إذن كيف سيدفع ساندرز لبرنامجه الطموح من أجل إصلاح التعليم أو تحديث البنية التحتية أو الجهود لمكافحة التغير المناخي ؟
لكن المشاكل المتعلقة بمقترح الرعاية الصحية لساندرز هي أعمق من التمويل فمقترح ساندرز للتخلص من الظلم الموجود في نظام رعاية صحي مبني على السوق يلغي جميع أشكال المنافسة وذلك مثل ما فعلت المملكة المتحدة مع نظام الخدمة الصحية الوطنية والنتيجة ستكون نظام بطيء وغير كافي يقدم مستوى رعاية منخفض .
إن المشكلة هي أن ساندرز يخلط بين المنافسة والسوق ولكن هناك فرق بينهما . إن المنافسة على العكس من ذلك هي آلية رقابة تحقق أقصى قدر من الكفاءة الإقتصادية وهي شاملة وتعمل خارج الأسواق المبنية على أساس الربح.
إن الواقع هو أنه لو قام أي نظام صحي بتوفير خدمات طبية فعالة من حيث التكلفة وذات جودة عالية فإن المنافسة ستكون حيوية ولحسن الحظ فإن ألمانيا ودول قليلة أخرى في بلدان أوروبا الغربية تعطينا مثالا مفيدا عن كيف لنموذج تنافسي ثلاثي أن يمكن البلدان من تقديم مثل تلك الخدمات للجميع .
بموجب هذا النموذج فإن الهيئات السياسية تحدد قائمة الخدمات التي تقدمها شركات التأمين التي لا تهدف للربح والتي تغطي تكاليفها من خلال مساهمات مبنية على الدخل أو مساهمات بإسعار موحدة-بغض النظر عن خطر المرض للإفراد الذين يقومون بالدفع – بالإضافة إلى الدعم الحكومي كما تقوم شركات التأمين بتمثيل عملائها في مفاوضات الأسعار والجودة مع الأطباء وشركات الأدوية والمستشفيات.
إن خطر خسارة العملاء للمنافسين يعطي شركات التأمين حافزا كبيرا لتأمين أفضل الشروط الممكنة . إن خيار الدخول في إتفاقيات فردية مع مزودي الرعاية الصحية وتجربة نماذج خدمات وتعويضات مختلفة يعزز من ذلك الحافز وحتى نخفف من رغبة شركات التأمين بالتنافس على العملاء ذوي المخاطر المنخفضة مثل الشباب فلقد تم إدخال برنامج تعديل المخاطر والذي يعوض بشكل عام عن الفروقات في الأعباء المالية الناتجة عن التوزيع غير المتكافىء لمخاطر المرض.
إن ساندرز محق في شيء واحد وهو أن كل الناس وليس فقط الأغنياء يستحقون أن يحصلوا على رعاية صحية جيدة ولكن النظام الصحي القائم على جهة واحدة لن يعطيهم هذه الرعاية فالنظام القائم على المنافسة بين شركات التأمين والتي يتم تمويلها من خلال مساهمات غير قائمة على أساس المخاطرة والدعم الضريبي هو نظام سيكون أكثر ملائمة للمرضى وأكثر فعالية والأهم من ذلك فإنه سوف يوفر مستوى رعاية أفضل .

رئيس سابق للمجلس الألماني للخبراء الإقتصاديين