تفرض الأزمة السياسية بين روسيا والغرب ممثلا في أوكرانيا مجموعة من الأزمات الاقتصادية التي تمثل ضغوطا على القطاع الخاص والأسر والأفراد، وهى من الضغوط الي تفرض نمطا جديدا من السلوك على الدول أو على فئات المجتمع مما يؤثر على مخرجات القرارات التي قد تتسم بنوع من التسرع أو العشوائية ، حتى في الاقتصادات القوية أو النفطية ، بعد النقص الحاد في المواد الغذائية ومدخلات الإنتاج والمواد الخام ، والذي قد يستمر إلى فترة أطول ،لأن الحرب ضد أوكرانيا هي حرب ضد الكثير من دول الغرب ومعهم أمريكا ، الذين فرضوا الحصار الاقتصادي على روسيا منذ عام.
ومع استمرار القتال، فإن نتائج الحرب لا يمكن التنبؤ بها، والأسواق سوف تشهد ارتفاعات هائلة في الأسعار ونقص في العرض ، وسوف يتضرر الاقتصاد العالمي ،وخاصة الاقتصاديات الهشة والضعيفة التي سوف تُلقي بإخفاقها على شماعة الحرب الأوكرانية ، كما أن من الآثار السلبية هو تراجع ثقة مجتمع الأعمال وزيادة شعور المستثمرين بعدم اليقين ،وخروج التدفقات الرأسمالية من الأسواق الصاعدة ، ولذلك لا يخلوا الأمر من القلق والخوف من المستقبل المجهول.
ومن ثم اتباع سياسات تقشفية حادة قد تأتي بنتائج عكسية ، إذا لم تُحقق الهدف منها وهو توفير قدر من السيولة اللازمة لعمليات التمويل العاجلة للمشروعات الاستثمارية ،التي تسهم في سد الفجوة الغذائية ، بعد تزايد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي إلى أكثر من 100 مليون شخص ليرتفع إلى أكثر من الضعف في نهاية عام 2023والسنوات التالية ، بعد أن حاصرت روسيا جميع موانئ أوكرانيا المطلة على البحر الأسود، وهي المنافذ الرئيسية لتصدير أوكرانيا للمنتجات الغذائية إلى بقية دول العالم، واتخاذ العديد من الدول المنتجة للمواد الغذائية قرارات بحظر تصدير منتجاتها للحفاظ على مخزون يكفي مواطنيها تحسبا من أن تطول فترة الحرب الروسية الأوكرانية ، التي يدعمها الغرب وأمريكا بكل قوة أملا في إضعاف اقتصاد روسيا وإبعادها كقضب منافس على الساحة الدولية.
ولكن ما يضاعف من حجم المشكلة أن روسيا قصفت مجددا مخازن المواد الغذائية في أوكرانيا ، بما يمثل إعلان حرب على الأمن الغذائي العالمي، ما يفاقم من الأزمة وأثرها على الدول المستوردة ،التي تعجز عن توفير المواد الغذائية الرئيسية لمواطنيها اعتمادا على الاستيراد من الخارج ، وإغفال البحث عن البدائل الوطنية التي تعوض النقص في الإمدادات ، والعمل على سد الفجوة الغذائية محليا لتحقيق الاكتفاء الذاتي ، بعد أن أهملت الحكومات التخطيط المسبق للأمور المستقبلية للبنية التحتية لتوفير الاحتياجات الغذائية طبقا للأولويات التي تفرضها الأزمات ، وألا تظل تحت رحمة الدول المصدرة ، وأن تسعى للتعاون والاستفادة من مساحات الأراضي الزراعية غير المستغلة التي تعد سلة للغذاء العربي.
وإذا كنا قد تأخرنا كثيرا فعلينا أن نبدأ صادقين وجادين من الآن ، لمواجهة المتغيرات العالمية السياسية والاقتصادية ، وحتى التقلبات المناخية التي أثرت على مصادر الطاقة ، وفرضت على بعض الدول ومنها مصر قطع التيار الكهربائي أو تخفيف الأحمال على بعض المناطق ، لعدم التحوط والقصور في التخطيط وعدم الاستعداد الجيد لمواجهة حالات الارتفاعات غير المسبوقة لدرجات الحرارة عن معدلاتها السنوية ، وأثر ذلك على الصناعة والسياحة ومختلف قطاعات الإنتاج.
وهذا يؤدى إلى تباطؤ النمو وزيادة سرعة التضخم، الذي يؤدي بدوره إلى تآكل قيمة الدخول ونقص الطلب، ومن هنا تقع على عاتق الحكومات عملية التخطيط الاستراتيجي لاستمرار الأداء الجيد للأنشطة الاقتصادية، واستثمار إمكانيات القطاع الخاص حتى ولو كانت محدودة ، حتى يمكن الوصول إلى التعافي الاقتصادي ولو على مراحل ، بدلا من انتظارها لمبادرات فردية للقطاع الخاص، والتي قد لا تأتي أوقد تأتي متأخرة أو على استحياء أو قد تكون غير متوافقة مع متطلبات كل مرحلة بما لها من سمات أو احتياجات، خاصة أن الكثير من بلدان العالم النامي ونحن منهم لا تعرف ماذا تريد من القطاع الخاص تحديدا ، باعتبار أن الحكومة والقطاع الخاص هما جناحا التنمية الحقيقة.
ولا يمكن أن تتقدم الأمم والمجتمعات بدونهما أو بأحدهما بدون الآخر، فمهمة الحكومة الأساسية تأهيل البنية الأساسية الاقتصادية التي يستحيل بدونها ممارسة الأنشطة الاقتصادية أو نجاحها ، مثل الطرق و المواني والمطارات والطاقة والكهرباء ، وإن كان القطاع الخاص القوي يمكنه المشاركة في بعض هذه الأنشطة بعد أن يتأكد من الجدوى الاقتصادية لها باعتبار أن القطاع الخاص الناشئ غير قادر على المخاطرة ،أو أنه لا يتحملها مع بداياته.
ومن هنا تقع على عاتق الحكومات مسؤولية عملية التخطيط ،حتى لا تقع شعوبهم فريسة للأزمات الاقتصادية المتكررة وآخرها الأزمة بين روسيا ودول الغرب ، التي قال عنها رئيس برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيزلي: إن غلق روسيا موانئ جنوب أوكرانيا وعرقلة صادرات الحبوب وغيرها من المنتجات الزراعية القادمة منها، سيؤدي إلى مجاعة وزعزعة الاستقرار، وهجرة جماعية حول العالم".