محمد محمود عثمان يكتب: الحكومات والقطاع الخاص.. إشكاليات مستمرة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٣١/يوليو/٢٠٢٣ ١٣:٠١ م
محمد محمود عثمان  يكتب: الحكومات والقطاع الخاص.. إشكاليات مستمرة

التحولات الاقتصادية العالمية والأزمات المتتالية ،تضع الحكومات والقطاع الخاص أمام معادلة صعبة تجمع بين الرغبة الحكومية في الاستحواذ والسيطرة والتدخل لرسم السياسات الاقتصادية التي تحقق - من وجهة نظرها - التوازن الاقتصادي،وبين المشاركة الإيجابية والأساسية للقطاع الخاص وممثليه في وضع السياسات الاقتصادية الآنية والمستقبلية ، أوبين إعطاء الحرية الكاملة للقطاع الخاص في التشريع والتخطيط لأنشطته وإدارتها ، في ظل عزوف الكثير من كبار التجار و رجال الأعمال عن المشاركة في إدارة القطاع الخاص وابتعادهم عن غرف التجارة والصناعة التي ينتمون إليها اسما لا عملا، ربما استكبارا أولقدرتهم على الوصل إلى كبار المسؤولين لإنجاز أعمالهم ،أو ربما لقناعتهم بعدم جدوى دور الغرفة المؤثر في الحياة الاقتصادية أو هامشيتها ،أولاستشعارهم ضعف أو عدم خبرة بعض من تفرزهم انتخابات مجالس الإدارة الذين يقبعون في مقاعد المتفرجين ، ويشاهدون وربما يستمتعون بالتدهور في أداء الشركات وتعثر القطاع الخاص محور التنمية الحقيقة في كل الاقتصادات ، ومصدر القوة الحقيقي للدول المتقدمة وقاطرة الاقتصاد نحو التقدم في الدول النامية التي تهتم به ، خاصة في الدول والمجتمعات التي تسعى لتطوير وتنويع مصادر الدخل ، في الاقتصاديات التي عاشت ردحا طويلا من الزمن هامشية ،اعتمادا على الاقتصاد الريعي وعائدات مبيعات النفط والغاز،

ومن هنا أصبحت الشراكة بين القطاعين العام والخاص ضرورية ،لأنها تمثل إشكالية كبرى في الاستثمارات و المشروعات الاستراتيجية العملاقة التي تحتاج إلى رؤوس أموال واستثمارات ضخمة

لتوطين التكنولوجيا المتقدمة ، ولا سيما في المشروعات التنموية والخدمية التي لا يستطيع القطاع الخاص المخاطرة بها بمفرده ،ولكن بشروط وضمانات مقننة تعطي الثقة والاطمئنان للمستثمرين وتحميهم من تعنت البيروقراطية أو سوء الإدارة ، ولمنع الاحتكار أو استحواذ الشركات والمؤسسات الحكومية ومنافستها للقطاع الخاص ،حتى لا يظل مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص مجرد شعار يُطرح فقط في وقت الأزمات ،حتى أننا نسأل دائما عن متى يتحقق هذا الشعار على أرض الواقع ؟ لتقليص الفجوة بين القرارات الحكومية وواقع المتطلبات الأساسية لمشاركة القطاع الخاص بقوة في تحقيق خطط التنمية الاقتصادية ،

ومع التأمل في هذه الصورة نجد أن الحكومات بين أمرين الأول : التخلي الصريح عن التدخل في شؤون القطاع الخاص ،وكف يدها تماما حتى عن وضع القوانين والتشريعات التي تخصه والمتابعة من بُعد، ، والثاني :عدم اليقين بقدرة القطاع الخاص على تحمل المسؤولية في التخطيط والإدارة السليمة ، وما يتبع ذلك من سيطرة وهيمنة وانعكاسات سلبية على أنشطة القطاع الخاص ومستقبلة، وفي الطرف الأخر من المعادلة فإنه على القطاع الخاص في الوقت ذاته تحمل مسؤولياته ،والدفاع عن استقلاليته في صنع القرارات التي تحكم عمله وأنشطته المختلفة ، لأنه الأقدر على تنظيمها من منطلق " أن أهل مكة أدرى بشعابها"،وقد تكون خطوة جيدة إنشاء مركز متخصص للبحوث الاقتصادية المتعلقة بتطوير القطاع الخاص ولتقديم وطرح الدراسات المتعلقة باحتياجاته في القطاعات المختلفة لتنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط ، حتى يكون لدى الحكومات فرصة للمشاركة العملية لتوليد وظائف وفرص عمل جديدة ، بعد أن تقلص تماما دور الحكومات وعجزها عن توفير فرص العمل الحقيقية ، خاصة بعد أن أًتخمت المكاتب الحكومية بأعداد هائلة من البطالة المقننة والمقنعة،وألا يركن القطاع الخاص إلى ما تجود به الحكومات من إنفاق في ظل سياسات التقشف والحد من الإنفاق الذي يؤدي حتما إلى الإخفاق ، لأن مشاركة الحكومات تعطي الثقة للمستثمرين وتحد من تخوفهم من مخا طر المخاطرة في مشروعات لا تشارك فيها الدولة ،لأنها قد تتسبب في تعثرها، عندما يتعمد التنفيذيون وضع العراقيل في طريقها ، كما أنه في حالات الانحراف بالسلطة الذي تتميز به الدول النامية ،ربما يستخدم سلاح الاتهامات – الباطلة - لبعض كبار رجال الأعمال ووضعهم في غياهب السجون ، عند الاختلاف أو تعارض المصالح ، بما يدفع رؤوس الأموال للهروب بلا رجعة.