الشبيبة - العمانية
يوفر ظهور الذّكاء الاصطناعي وتقنياته فرصًا إيجابية وكبيرة للدول والمؤسسات لتطوير أنظمتها وأعمالها في جميع المجالات خاصة ما يتصل بتحسين الأمن السيبراني وتعزيز الدفاعات السيبرانية للدول والمجتمعات التي تنامت خطورتها في ظل التطور التكنولوجي والتقني الهائل إلا أنّ هناك بعض المخاطر في هذا الجانب.
وأكّد عددٌ من المعنيين والمختصين لوكالة الأنباء العُمانية على أهمية الاستفادة مما يوفره التطور التكنولوجي المتسارع في مجالات الذّكاء الاصطناعي في تحسين الأمن السيبراني ووجود العديد من الفرص للتقدم والريادة وتحقيق التنمية المستدامة مع وجود بعض التحدّيات في هذا الجانب.
وفي هذا السياق يقول الدكتور هيثم بن هلال الحجري، تنفيذي الأمن السيبراني بالمركز الوطني للسلامة المعلوماتية إنّ مفهوم الأمن السيبراني يأتي لحماية الأجهزة والمعلومات في العالم السيبراني وهو عالم الإنترنت وهناك أيضا حماية المعلومات في العالم الطبيعي، حيث إن المعلومات تأتي على هيئة أشكال كثيرة منها مواد رقمية مكتوبة أو مطبوعة أو ما تمّ حفظه في العالم السيبراني.
ويُعرّف الأمن السيبراني بأنه عملية حماية الأنظمة والشبكات والبرامج ضد المخاطر الرقمية المتعددة والمتطورة، حيث تهدف هذه الهجمات إلى الوصول إلى المعلومات الحساسة أو تدميرها؛ وبعضها يكون ممولًا من منافسين أو جهات استخبارية هدفها زعزعة الأمن أو تدمير وتعطيل خِدْمَات الشركة والإضرار بسمعتها ومصالحها.
وأكّد على أهمية إيجاد صناعة متخصصة سواءً منتجات أو خِدْمَات أو عمليات في مجال الأمن السيبراني وتوطين هذه الصناعة لتكون رفدًا للإسهام في التنوع الاقتصادي في المنطقة، والآفاق في هذا المجال واسعة ومتجددة كونها محركًا رئيسًا لتقنيات الثورة الصناعية الرابعة سريعة التطور، وفي المقابل هناك ازدياد كبير في المخاطر والتهديدات السيبرانية التي تكلف الاقتصاد العالمي مليارات الدولارات سنويًّا.
وحول جهود وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات بتعزيز الوعي بصناعة الأمن السيبراني أشار إلى أن الوزارة أطلقت الحملة الوطنية لصناعة الأمن السيبراني(حداثة) في مارس الماضي من منطلق الاهتمام بتأثيرات صناعة الأمن السيبراني على الاقتصاد المحلي وما يصاحب ذلك من تأثير على الدخل وتعزيز الاستثمار، وترسيخ ثقافة العمل الحر، ودعم الابتكار في مجال الأمن السيبراني وتصدير الخبرات المحلية إقليميًّا ودوليًّا وغيرها.
وأفاد بأنّ الحملة استهدفت المتخصصين في مجال الأمن السيبراني والدارسين في مجال الأمن السيبراني وأصحاب العمل الحر والباحثين عن عمل والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمهتمين في مجال الأمن السيبراني وشركات الأمن السيبراني المحلية والدولية.
وبين أنّ الحملة سعت إلى التعريف ببرنامج صناعة الأمن السيبراني والمبادئ التوجيهية له التي تم تطويرها بما يتوافق مع رؤية عُمان 2040، والأثر الاقتصادي من تطوير صناعة متخصصة في مجال الأمن السيبراني على المستويين الفردي والجماعي والتوعية باحتياجات السوق والممكنات والفرص الاستثمارية محليًّا وإقليميًّا في مجال صناعة الأمن السيبراني.
ويرى الدكتور هيثم الحجري أنّ هناك العديد من التحديات التي تواجه اختبار الأمن السيبراني مع وجود تطبيقات الذّكاء الاصطناعي وتقنياته عبر استخدام التطبيقات في إيجاد ثغرات أمنية في بعض الأنظمة المعلوماتية الموجودة في العالم السيبراني تمكنهم من الوصول إلى ثغرات لم تكن سهلة الوصول في السابق، مؤكدًا على أهمية استخدام الذّكاء الاصطناعي في جوانب إيجابية.
وعن جهود وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات ممثلة بالمركز الوطني للسلامة المعلوماتية وضح أنّ المركز يقوم بإجراءات احترازية وأمنية معتمدة على الذّكاء الاصطناعي، وتم إدخال الذّكاء الاصطناعي في مرحلة مبكرة جدا قبل الانتشار السريع لـ ( الشات جي بي تي) الذي يركز اليوم على تقنيات الذّكاء الاصطناعي.
وأشار إلى أنّ هناك أنظمة استشعارية بالمركز تقوم بفلترة وتقييم الهجمات التي تتعرض لها سلطنة عُمان وتستشعر ماهية الهجمات ويتمّ اتخاذ الإجراءات اللازمة، حيث أسهم الذّكاء الاصطناعي في تسريع العملية ويقلل احتياج العنصر البشري للتدخل المباشر.
من جانبه قال الدكتور سالم بن حميد الشعيلي مدير دائرة الذّكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات إن الذّكاء الاصطناعي معناه القدرة على محاكاة البشر في قطاعات الحياة المختلفة ووجب أن يُستغل في التصدي للاختراقات والهجمات التي تواجه الأمن السيبراني.
وأضاف أنّ الذّكاء الاصطناعي يتميز بقدرته على تحليل البيانات الكبيرة، حيث يمكنه استخدام هذه القدرة لاكتشاف التهديدات السيبرانية المتقدمة التي قد تفوت الأنظمة التقليدية كما يعمل الذّكاء الاصطناعي على مراقبة السلوك السيبراني والكشف عن الأنشطة الشبيهة بالهجمات المعروفة، وعلى هذا يُمكنه إنذار المؤسسات واتخاذ إجراءات استباقية.
وذكر أنّ الذّكاء الاصطناعي يمكنه أن يساعد في التحليل التنبؤي للتهديدات والاستفادة منها في التخطيط الاستراتيجي للأمن السيبراني عبر تحليل البيانات التاريخية واستخلاص الأنماط والاتجاهات، كما يمكنه توفير توجيهات قيمة للمؤسسات لتعزيز الحماية وتحسين استجابتها للتهديدات المستقبلية.
وبين أنّ تقنيات الذّكاء الاصطناعي في مجال الأمن السيبراني يمكن أن تواجه بعض السلبيات المحتملة التي يجب أخذها في الاعتبار، كالمخاوف الأخلاقية والخصوصية، حيث يُثير استخدام التقنيات الذّكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني مسائل أخلاقية تتعلق بالخصوصية وحقوق الأفراد وقد يتطلب استخدام هذه التقنيات جمع وتحليل كميات كبيرة من البيانات الشخصية، مما يمكن أن يعرضها للاختراق أو سوء الاستخدام.
وأكد الدكتور سالم الشعيلي على أهمية وجود الجانب التوعوي لمستخدمي التقنية فيما يخص استخدام الذّكاء الاصطناعي التشاركي حيث يجب السؤال عن كل البرامج والمواقع ما إذا كانت آمنة أم لا والتعامل بحذر مع التطبيقات الذكية وعدم تجاهل الإشعارات التي تصدر بها وأخذها محل اهتمام وتعظم الفائدة منها لنحمي أنفسنا.
ووضّح الدكتور معمر بن علي التوبي أكاديمي متخصّص في الذّكاء الاصطناعي أنّ مهام الذّكاء الاصطناعي وفوائده متعدّدة، منها ما يدخل في قطاع أمن المعلومات وبالتحديد الأمن السيبراني الذي بات هاجسًا يُقلق القطاعات الحكومية والخاصة وأهمها قطاعات الاقتصاد وفيها البنوك ومؤسسات التعاملات المالية بكل أنواعها، وكذلك القطاعات المعنية بالبيانات وإدارتها.
وقال إنّ الذكاء الاصطناعي يمكن أن يضع يده في هذا الفرع الرقمي المهم "الأمن السيبراني" ليجعل منه أكثر أمانًا في زمن باتت التقنيات -بتطوراتها المتعددة- التي يطالها الجميع مصدر هاجس لقطاع الأمن السيبراني عبر الاختراقات السيبرانية؛ ليأتي دور الذّكاء الاصطناعي كونه نظامًا رقميًّا يستطيع أن يتولى مهمة مراقبة هذا القطاع وحمايته عبر قدرته في تحليل البيانات الكبيرة وتحديد المخاطر المحتملة، وتحديد الثغرات غير المكتشفة.
وأضاف أنّه يمكن لقدرة الذّكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الكبيرة أن تجعله قادرًا على فهم الأنماط الأمنية السيبرانية السابقة (حالات اختراق سابقة) والتعلّم من أنماطها؛ لتحديد مواقع الخطأ والتنبؤ بالأنماط الهجومية (المستقبلية) المحتملة كما يمكنه بجانب قدرته في تحليل البيانات والتعلّم من أنماطها- أن يقوم بمراقبة أداء أنظمة الأمن السيبراني التقليدية وتقييمها المستمر.
وبين أنّ ذلك كله يساعد على تحديد نقاط الضعف والتدخل السريع في اتخاذ القرارات العاجلة مثل التحديث المستمر لبرامج الحماية، وتغيير كلمات المرور "في بعض الحالات والمواقع"، وحفظ نسخ احتياطية أخرى للبيانات، والتنبيه المستمر للمستخدم لأي تهديدات محتملة أو اختراقات.
وأكّد معمر التوبي على أنه بات من السهل -في وقتنا- استغلال نماذج الذّكاء الاصطناعي في الحماية السيبرانية بسبب توفر التقنيات المتقدمة "الأخرى" مثل إنترنت الأشياء والحوسبة السحابية التي تسمح بعبور الكم الكبير من البيانات إلى نماذج الذّكاء الاصطناعي عبر الارتباط المباشر بين هذه التقنيات الرقمية والتداخل فيما بينها؛ فيسهم في سرعة تعلّم نماذج الذّكاء الاصطناعي لأنظمة الأمن السيبراني وطرق التعامل معها وفق مقاييس تتجاوز القدرات التقليدية.