لقد أدى التطور المتلاحق في نقل المعلومات من خلال استخدام أجهزة الحاسب الآلي، والشبكة المعلوماتية (الانترنت) في مختلف التعاملات المتعلقة بالإنسان سواء منها ذات النفع العام كالتعاقدات في المجالات التجارية أو تلك التي تحمل أعمالٍ مذمومة تؤدي الى إلحاق الأذى بالإنسان .
هذا و لقد اصبحنا اليوم نعيش بين عالمين؛ العالم المادي الذي نتقابل فيه وجهاً لوجه ونمارس فيه أنشطتنا الحياتية في المكان والزمان المحددين سلفاً، والعالم الافتراضي الذي نتقابل فيه أيضاً ونمارس من خلاله الكثير من أنشطتنا الحياتية، حيث تتعاظم مقومات العالم الرقمي والافتراضي، ويزداد الاعتماد على تقنيات ومعطيات الثورة الرقمية، ويتطور التواصل الافتراضي بين الإنسان والأجهزة والمعدات وبين الأجهزة وبعضها بما تقدمه تقنيات إنترنت الأشياء ، وتقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) Artificial Intelligent.
و لقد تطور الإنترنت وظهر معه إنترنت الأشياء، مصحوبا بالتوقعات عن مليارات الأجهزة التي ستكون متصلة افتراضياً وحاضرة على الشبكة خلال الوقت الراهن والعقود القريبة من هذا القرن، وجاهزة للتفاعل مع البشر من جانب، ومع بعضها البعض من الجانب الآخر، وهذا هو الأخطر. كما تطورت تقنيات الذكاء الاصطناعي وساهمت بشكل فاعل في زيادة مستوى ذكاء الآلات؛ فظهرت الروبوتات والنانوبوتات بأنواع وأحجام ووظائف غير متوقعه، وأظهرت حضورها في البيئة الافتراضية والمادية بشكل أقلق البعض على دور الإنسان في المستقبل القادم بقوة نحو تعاظم دور هذه الأجهزة و المعدات التكنولوجية في الحياة البشرية، كما ساعد على ذلك أيضا ظهور الجيل الخامس من الشبكات المحمولة والحوسبة السحابية والمواد الذكية والرقائق الرقمية وتقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز وغيرها، كما اصبح الذكاء الاصطناعي يلعب دورا كبيرا و حيويا و هو واحدا من محركات الثورة الصناعية الرابعة .
هذا ويعود تاريخ ظهور الذكاء الاصطناعي حسب المصادر التاريخية الى عام 1950 عندما اثار العالم البريطاني الان تورينج موضوع إمكانية تفكير الآلات، اما مصطلح الذكاء الاصطناعي( (AI) Artificial Intelligent.) فيعود الفضل في خروجه الى العالم الأمريكي جون مكارثي، و يعتبر برنامج نظرية المنطق الرائدة اول برنامج ذكاء اصطناعي و هو برنامج قادر على اثبات بعض النظريات الرياضية قام بتطويره مجموعه من العلماء الأمريكيين .
الجدير بالذكر ان الية عمل الذكاء الاصطناعي تكون من خلال تجميع البيانات بكميات كبيرة جدا و من ثم معالجتها بشكل سريع من خلال برامج معينة مما يسمح للبرنامج بالتعلم التلقائي و الذاتي وفق ما يتلقاه من معلومات، وقد خطت تقنيات الذكاء الاصطناعي خطوات واسعة مع تطور صفة الذكاء في الآلات، حيث باتت الآلة الذكية قادرة على اتخاذ قرارات والقيام بتصرفات ليس فقط من خلال ما يتم برمجتها عليه، بل فيما هي غير مبرمجة عليها في الأصل، والأبعد من ذلك التنبؤ بالتصرفات والسلوكيات، وبناء قواعد معرفية خبيرة يمكنها استشراف بيانات.
كل ذلك يجعلنا نقول و بكل ثقة ان العلم اصبح على أعتاب ثورة جديدة ستغير شكل الحياة البشرية، يقودها الذكاء الاصطناعي نحو ثورة شاملة على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وذلك بسبب تعدد وتزايد تطبيقات الذكاء الاصطناعي بصورة يصعب حصرها، و مما يزيد الموضع تعقيدا او تزايد اعتماد البشر والأشياء عليها لما توفره قدرتها الفائقة على تسهيل الأنشطة الحياتية، و هذا يجعل العاملين في هذا المجال و المطورين للذكاء الاصطناعي غير عابئين بما ينتج عنه من آثار سلبية، حيث ان الذكاء الاصطناعي موجود اليوم في كل مكان حولنا، من السيارات ذاتية القيادة والطائرات المسيرة (بدون طيار) ، و الروبوتات، وبرمجيات الترجمة أو الاستثمار وغيرها الكثير، حتى الساعة الرقمية والنظارة الافتراضية وربما القلم المترجم وأقل شيء يمكن أن يستخدمه الإنسان، و لو اخذنا مجال التسوق الشبكي مثالا على ذلك لعرفنا الفرق بين الامس و اليوم و على سبيل المثال اثبتت الدراسات المنشورة ان التسوق باستعمال الذكاء الاصطناعي يمثل 35% من مبيعات منتجان شركة امزون و ذلك يعود الى قدرة الذكاء الاصطناعي الى تغير مفهوم التسويق و التسوق لدى المستهلك، كما اشارت الاحصائيات ان معدل نمو صناعة و انتاج السيارات ذاتية القيادة بلغت 36% حيث يوجد الان اكثر من 25 دولة تعمل على تطوير انتاج السيارات ذاتية القيادة.
هذا ولقد تم إحراز تقدم مثير للإعجاب في حقل الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، مدفوعاً بالتطورات الهائلة في القدرة الحاسوبية وتوافر كميات هائلة من البيانات، وفي الوقت نفسه فإن تكنولوجيا التصنيع الرقمية، تتفاعل مع عالمنا البيولوجي بشكل مستمر.
خلاصة القول ان الذكاء الاصطناعي يعمل على توفيّر البرامج التي يمكنها ان تفكر في المدخلات وتفسر النتائج، كما انها تعمل على ايجاد سلوك شبيه بالسّلوك البشري، كما انها تقدم الدعم من اجل اتخاذ القرارات لمهام ولوظائف محددة، الا ان ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال ان تكون برامج و دعم الذكاء الاصطناعي بديلًا للبشر، ولن يكون كذلك في أي وقت، و لكن المؤكد ان الاخطار التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على الإنسانية كبيرة جدا و لعل اهم هذه الاثار يتمثل في: حلول الالة محل الكثير من الوظائف التي يقوم بها البشر اليوم، بل الدراسات تشير الى ان الذكاء الاصطناعي سوف يحل محل 80% من الوظائف التي يقوم بها البشر اليوم مما سوف يضاعف مشكلة البطالة، كما سوف تظهر مشكلة الاختراق من الأجهزة التي نحملها في أيدينا اليوم من خلال تتبع خط سير المستخدم لهذه الاجهزة، و سوف يكون للذكاء الاصطناعي على اثرا سلبيا على سلامة و صناعة الادب من خلال تأليف الروايات و نشرها، أخيرا سوف يلعب الذكاء الاصطناعي دورا كبيرا في موضوع التزييف و فبركة الصور و القصص، بالإضافة الى ما سوف يلعبه الذكاء الصناعي في المجال العسكري و الحربي و الغاء الحدود بين الحروب العادية و الحروب النووية، بل ان العالم الإنجليزي المعروف ستيفن هوبكن صرح لقناة الب بي سي عام 2014 ان الذكاء الاصطناعي و التطور الكبير للآلات الذكية انها سوف تكون السبب الرئيسي لنهاية وجود البشر.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل نحن مستعدون من الناحية القانونية لمواجهة الاثار التي يخلفها هذا التطور التكنولوجي خصوصا ذلك المتعلق بالذكاء الاصطناعي أم لا؟ وللحديث بقية.