محمد محمود عثمان يكتب: المستثمرون ... بين المخاوف والمُعوقات المفرُوضة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٣/يوليو/٢٠٢٣ ٠٨:٥٩ ص
محمد محمود عثمان يكتب:  المستثمرون ... بين المخاوف والمُعوقات المفرُوضة

تفرض الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها معظم الاقتصاديات على الدول النامية أن تبحث عن الاستثمارات الأجنبية من الشرق والغرب ومن كل صوب، بعد أن تولدت إشكاليات كثيرة أمام شركات ومؤسسات القطاع الخاص التي تحتاج إلى التمويل والاستثمارات، وهى تصرخ وتعاني أشد المعاناة ، بعد تعثرها أو إفلاسها ،لعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها التعاقدية والغرامات التي توقع عليها ، وعجزها عن الوفاء بالديون والفوائد المركبة المتراكمة ، مع تعنت البنوك ومؤسسات التمويل في مراعاة الظروف القاهرة التي أدت إلى ذلك ، في ظل نقص التشريعات الحديثة المرنة التي تعالج هذه الحالات ، حتى يتم دعم خطط التنمية واستمراريتها ، خاصة في مرحلة وباء كورونا وما بعدها، حتى لا نجد معاول الهدم التي نصنعها بأيدينا تدمر الاقتصاديات الضعيفة وحتى المتوسطة ، خاصة عندما تحتكر الحكومات أو المؤسسات التابعة لها أنشطة متنوعة تنافس بها شركات القطاع الخاص سواء مباشرة أم من الباطن ، وتتسبب في خلل توازن السوق وتُوصمُه بتًهمة عدم الحياد التنافسي ، الذي يخلق حالة من التخوف أمام المستثمرين الأجانب ، والمأساة أو الكارثة أن يتعرض المستثمر للمخاوف أو يشعر بها أو حتى يسمع عنها ، لأن المستثمر الخائف يظل مترددا في اتخاذ القرار الاستثماري ، حتى يشعر بالأمان والاطمئنان، وتتولد لديه المخاوف من الشعارات الجوفاء التي يطلقها البعض مثل استخدام البطاقات الذهبية أو سهولة الاستثمار أو سرعة إنهاء الإجراءات في زمن قياسي، أو من خلال أي مسميات جديدة يتم اختراعها أو الإعلان عنها لطمأنة المستثمر على بيئة العمل والمناخ الاستثماري، ثم تكون الطامة الكبرى عندما تتحول هذه الشعارات لتكون من أكبر المعوقات التي تمثل أخطر المشكلات التي تواجه المستثمرين في أي مكان وزمان، بعد أن يقف التنفيذ على أرض الواقع كعقبة عثرة ، لأن الفشل في تطبيق هذه الشعارات ميدانيا ، وعدم توفير ضمانات للمستثمرين ،في غياب الرقابة والمتابعة ، التي تضبط أداء الأجهزة الإدارية والتنفيذية من شبكة التكنوقراط في الوزارات والمؤسسات الحكومية ، يأتي بنتائج عكسية دائما عندما يحل الإحباط بالمستثمرين ، نتيجة لحجم الخسائر التي تقضي على مشروعاتهم وتدفعهم دفعا للهروب إلى المناخ الاستثماري المناسب في أماكن أخرى ،لأن المستثمر لا يقبل أو يتحمل أن يضخ الأموال ، ثم تُفرض عليه المُعوقات فرضا ، عندما تغيب الرقابة والمتابعة المستمرة من الجهات المسؤولة عن قطاعات الاستثمار، ليحقق الخسائر بدلا من الأرباح، وقد يكون المستثمر الأجنبي ومن قبله المحلي في حاجة ماسة إلى رسائل عملية للاطمئنان على حماية أمواله ، وتهيئة مناخ الاستثمار، 

وقد فطنت لذلك بعض الدول مؤخرا مثل مصر بعد تدخل رئيس الجمهورية بشخصه من خلال لقاءات واجتماعات مباشرة مع رجال الأعمال وأصحاب ورؤساء الشركات الأجنبية ، لجذب الاستثمارات التي تسهم في توطين الصناعات التي يحتاجها الاقتصاد المصري ،خاصة بعد أزمة نقص العملات الأجنبية في الفترة الأخيرة ، مع تفاقم الآثار السلبية للنزاع الروسي الأوكراني على الاقتصاد العالمي ،وهذا نموذج جيد وعامل جوهري وهام يعطي الثقة للمستثمر الأجنبي عندما يجد الضمانات من رئيس الدولة ، وحصوله على جرعات من الثقة والاطمئنان، بل ومشاركة الحكومة في المشروعات والاستثمارات الحيوية مع المستثمر الأجنبي والقطاع الخاص ، على أن تتخارج الدولة تدريجيا ليستمر القطاع الخاص في مسيرته التنموية ، بعد كسر حاجز الخوف ودحض مؤشرات عدم الثقة ،ولا شك أن هذا النموذج ينجح عندما تتم هذه الاستثمارات وفق دراسات جدوى تضع البدائل والأولويات للاستثمارات التي تنهض بالاقتصاد وتعظم الصادرات وتحد من الواردات ،بعيدا عن الاستثمارات العشوائية ، ولا سيما إذا ساند ذلك وجود نشاط مكثف من السفارات والقنصليات بالخارج مع قدرتها وقناعتها على فتح قنوات وجسور للتواصل مع القوى الناعمة عبر الصحف ووسائل الإعلام الخارجية ومؤسسات المجتمع المدني وتسعى إلى توثيق العلاقة معهم ، خاصة أن هناك سفارات نشطة في هذا المجال مثل السفارة العمانية بالقاهرة ، التي تقدم أيضا رسائل الطمأنينة التي توجهها للمستثمرين في الخارج ، من حين إلى آخر ،ولا تكف عن دعوتهم للاستثمار في سلطنة عمان ، بالإضافة إلى ضرورة تكثيف دور غرف التجارة والصناعة العربية والأجنبية المشتركة وجمعيات المستثمرين ورجال الأعمال في الترويج لجلب الاستثمارات، وتقديم البيانات والدراسات عن الأسواق الخارجية وقدرتها الاستيعابية ، وإلى جانب كل ذلك فإن الاستثمار قد يتعرض إلى معوقات تًفرض على المستثمرين مثل مدى انسياب أو تعثر حركة المرور، والبنية التحتية في الطاقة و قوة شبكة الاتصالات والإنترنت والنقل وشبكات الطرق والمواصلات، والقدرة على الربط على المستويين المحلي والدولي ،وتوفر الأيد العاملة الماهرة والرخيصة، ناهيك عن قصور أو ضعف البنى الفوقية – إذا وُجد- بالإضافة إلى إشكالية نقص الكوادر الإعلامية الاقتصادية المُتخصصة ، وقدرتها على التصدي للفساد والبيروقراطية ، بمهنية وموضوعية، لترصد بشفافية الإيجابيات والسلبيات ، التي ترسم صُورة ذهنية إيجابية وواقعية أمام المستثمرين في الداخل والخارج .