"صفتا الرحمة والإحسان كانتا بعضا من شمائل رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم؛ والتي ينبغي علينا أن نقتدي بها ونسير على خطاها ونتخلق بها ".
إن العاملين في الفرق الخيرية واللجان التطوعية والجمعيات الأهلية أقرب إلى احتياجات الناس ومطلعين على ظروفهم من خلال تقصيهم ودراستهم وبحثهم لفرز الحالات الإنسانية بالمجتمع وتوثيقها، ورصد المحتاجين إلى المعونة والنفع، والمعلومات المتوفرة لديهم، والحالات التي وضعوا أيديهم عليها تعتبر بحق نتاج حي لما يبذلونه من جهد تطوعي وإنساني .
إن أشد من ضاقت عليهم الظروف أناس ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ولا يجدون فيها مأوى أو مسكن يسترهم بعد يوم طويل يكابدونه تحت وهج الشمس الحارقة وبعد معاناة مضنية من أجل البحث عن لقمة العيش الكريمة.
ولقد عجبت أشد العجب عندما سمعت من أحد الإخوة العاملين في سلك العمل التطوعي عندما ذكر لي : أن صاحب أحد العقارات السكنية يطلب من إحدى الأسر المعسرة المتعففة من المستأجرين عنده بأحد شقق بنايته إخلاء سكنهم بحجة عدم دفعهم فواتير الماءوالكهرباء،، وأضاف لي هذا الصديق قائلًا : ولقد اتضح بعد معاينة الحالة
ودراستها أنه يريد أن يؤجر الشقة خلال الموسم السياحي،مستغلاً بذلك عدم وجود عقد إيجار رسمي بينهما .
عجبت لمثل هذا المالك الذي اتخذ من القوة حجّة تسلب المعسر ما يستره ويستر أسرته، ولم يترك له فرصة حتى لتدبير أموره.
فعلا إن مثل هذه المواقف الإنسانية هي مما يمتحن عندها الناس بعضهم بعضا، فتنكشف خفايا المشفق الحقيقي، ومن هو ضعيف النفس والعزيمة الذي لا يلتفت إلا لمصلحته الشخصية ومكسبه من المال ، ويضن بالقليل على الفقير المحتاج فشطب بذلك اسمه من سجل المحسنين بمحض إرادته .
إن كان حقا ما وصلت إليه هذه القلة القليلة من الملاك من هذه الطباع الخشنة والجفاء دون رحمة فجدير بنا أن نطلق عليهم المعوجين الشاذين عن مجتمعاتنا الخيرة التي تتسع رحابها لإخوانهم المحتاجين والمعوزين والفقراء المعسرين ، فلا يغرنك أخي القارىء الكريم ما يدعيه بعض المدعون من أنهم محسنون حتى تراهم عن واقع ملموس وهم يحسنون إلى الناس، فالفضيلة محلهاالقلب، والمعاملة هي الشاهد على ذلك أمام الأعيان ، فما أظلم الإنسان لنفسه عندما يقسو قلبه، فهل يعقل أنه ينام ملء عينيه على فراشه الوثير ولا يأبه بما يعانيه أولئك المساكين من شظف العيش وما يواجهونه من رحلة المكابدة للبحث عن مسكن يأويهم؟!.