لم أتوقع الاستجابة السريعة من وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار لمقال الأسبوع الماضي بعنوان " صرخة مستثمر أجنبي على أرض عُمان .. لمن يهمه الأمر "
لأن ذلك يؤكد على أن نجاح واستقرار المستثمرين المحليين وتهيئة المناخ الملائم لهم ، يُعد عنوانا جاذبا ومؤشرا على الثقة في الاقتصاد وقدرته على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتدفقها
و يؤكد أيضا على أهمية تكامل حلقات المنظومة الاقتصادية وقطاع الاستثمار من حيث التخطيط والتنظيم والتنفيذ والمتابعة ثم التوجيه وتصحيح المسار ،
حيث اتصلت الوزارة في نفس اليوم تسال عن المشكلة والمستثمر والبيانات المتعلقة بها ، ثم اجتمعت بالمستثمرين بمقر الوزارة واستمعت لصرخاتهم على الطبيعة، وبدأت في اتخاذ إجراءات الحل والتواصل مع جهات الاختصاص والمعنيين بالأمر ، وهو من الأمور المطلوبة لاستمرا ر المتابعة والمراقبة للوقوف على معوقات الاستثمار والإجراءات المُنفرة والطاردة للمستثمرين، لأنها ممارسات عكسية ضد جهود الوزارة المبذولة لجلب الاستثمارات التي يُنفق عليها الكثير من الأموال والجهد والوقت ،وتنعكس مباشرة على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية ، بل وهروب الأموال والاستثمارات المحلية أو توقف المشروعات القائمة ، وبما يعطي انعكاسات سلبية عن مناخ وبيئة الاستثمار،
لذلك فإن استجابة الوزارة بادرة جيدة ومشكورة ، ونتمنى ألا يفتُر حماسها باعتبارها الجهة المسؤولة عن ترويج وجذب الاستثمار، ونتمنى ان تحتذي بها كل الوزارات والمؤسسات في القضايا المرتبطة بالاقتصاد والاستثمار والتنمية، لمواجهة المعاناة التي يتضرر منها القطاع الخاص في قطاعات الصناعة والزراعة والاستثمار والإسكان، وغياب الدور الفاعل للمسؤولين عن القطاع الخاص ،بعد أن أصبح دورهم هامشيا أو مجرد ديكور للظهور في المناسبات العامة ، ما يزيد من معاناة القطاع الخاص ولا سيما في مجالات الاستثمار ،
ما يفاقم من أزمات القطاع الخاص الذي يعاني من تبعات الأزمات الاقتصادية المتتالية ، ومن تحديات البيروقراطية التي تتجذر في فكر و أداء بعض القيادات الروتينية وتشعباتها المتغلغلة في عقولنا و تفكيرنا ، كأنه إرث مفروض علينا أن نتوارثه من قديم الزمن ، وكأننا مجبرون على حتمية التخلف وأبدية التخبُط ،الذي أثر على تقدم الدول النامية ، لأننا ربما نرى هذا المشهد كثيرا في العديد من الدول ،و في أداء بعض الجهات الحكومية التي تفرض سطوتها أو هيمنتها على مفاصل وأنشطة القطاع الخاص واحتكارها أو إدارتها من الباطن ، وحصولها على عدد من المشروعات سواء بالأمر المباشر أم بغيره ، وتنفرد بالإعفاءات والتسهيلات ، وهو نوع من سوء استخدام السلطة التي تؤدى إلى تهميش دور القطاع الخاص في عمليات التنمية ، وعدم قدرته على الصمود والاستمرار والمنافسة ، ناهيك عن أن ضعف الأداء الحكومي ، وقصوره في بعض الأعمال نتيجة لنقص الكوادر والكفاءات المتخصصة ، يُفقد مشروعات القطاع الخاص قدرتها على العمل والإنتاج ، والمساهمة في دعم موارد الموازنة العامة ، ويتسبب في إعاقة دخول المستثمرين في المشروعات ،بالإضافة إلى إهدار إمكانيات وطاقات القطاع الخاص ، لذلك من المؤلم وجود الكثير من الصرخات المدوية من المستثمرين المحليين التي لم تتبناها أو تتفاعل معها غرفة التجارة والصناعة أو ربما لا تعلم عنها شيئا أو تعلم وتتجاهل ،لذلك نتألم من هذه الصرخات التي تعاني أشد المعناة من المنافسة الحكومية غير العادلة ، ومن عدم تطبيق آليات قوانين حماية المنافسة ومنع الاحتكار، وحماية المال العام وتجنب تضارب المصالح ، الذي يؤثر على الحياد التنافسي ، بالإضافة إلى تجاهل المطالب العادلة للمستثمرين ، التي تطلب تصحيح بعض الإجراءات والقرارات ، مثل فرض الرسوم أو الإعفاء منها على غير سند من القانون ، أو عدم الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاقيات المُبرمة مع المُختبرات الخاصة ،أو الخلل في إسناد المناقصات واحتكار بعض المختبرات للإرساليات وعينات الفحص ،والإفراج عن بعض الحاويات بدون فحص ، على حساب العدالة والمساواة والجودة في غياب رقابة و متابعة وزارة الصحة ، لأن ذلك يحتاج إلى مراجعة و تقنين، حفاظا على صحة المجتمع
، كما أنه لا يستقيم الاستمرار- وبدون سند قانوني - في حرمان المختبرات الأخرى المعتمدة من حصتها في العمل ، لأنها تتكبد خسائر فادحة وتتحمل تكاليف ونفقات التشغيل بدون الحصول على دخل أو موارد مالية، لذلك تستحق قانونا الحصول على تعويضات تجبر هذه الخسائر، باعتبار أن كل فعل أو الامتناع عن فعل سبب ضررا للغير يستوجب التعويض ،ومن الصرخات القوية التي تجسد بعض هذه الممارسات ما سمعته من صراخ بعض المستثمرين المحليين في قطاع المختبرات الغذائية وتضررهم من عدم استجابة وزارة الثروة الزراعية والسمكية لصرخاتهم المتكررة ، لمعالجة هذه التناقضات والمخالفات من وجهة نظرهم ،والتي تدعمها المستندات والرسائل المتبادلة مع جهات الاختصاص ، الأمر الذي يتطلب سرعة التدخل من وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار ،للمراجعة والتصحيح ، من منطلق أنها الوزارة المسؤولة عن جذب وتشجيع وتنشيط الاستثمارات المحلية والأجنبية والترويج لها في الداخل والخارج ،والتنسيق مع جهات الاختصاص والمسؤولين عن التنفيذ لتهيئة بيئة الاستثمار المواتية التي تبُث الثقة في النظام الاقتصادي ، وذلك في إطار الحرص على تعزيز الشراكة والتواصل بين القطاعين العام والخاص، للتغلب على هذه المعوقات في مهدها قبل أن تتأزم المشاكل وتتعقد عند إغفالها مع مرور الوقت ، لأنه من الضروري تحسين بيئة الأعمال المحلية أولا ، حتى نتمكن من جذب الاستثمارات الأجنبية وإرسال رسائل إيجابية إلى رجال الأعمال ، ولأصحاب رؤوس الأموال المهاجرة حتى تعود وتشارك في التنمية.