للأسف هناك مبالغة في استغلال الأزمات الاقتصادية الراهنة بشكل مفرط في الكلام و التأويلات التي ليس لها حدود من التندر و النكت و تحميل الآخر تبعات الظروف المحيط بنا، وكأننا بمعزل عما يجري في العالم من حولنا، أو أننا في خمسة أربعين عاما كان علينا أن نوجد معجزة في التنويع الاقتصادي والاستغناء عن النفط بجرة قلم كما يقال، و في غمضة عين كما يرى البعض، في حين يتغافل ما تحقق في البلاد من تنمية كانت من اهم أولويات الحكومة وأهدافها مد كل الخدمات في ربوع الوطن و أينما وجد المواطن في هذه الأرض الطيبة، الأمر الذي من الأهمية الوعي بمراحل تطور الدول و المجتمعات و مدى قابليتها لأي تطور يكون مرهونا بتطور الفرد و المجتمع وجاهزيته لأي تغير، بل مدى مواكبته لتغير أيا كان و ضريبته.
إن خمسة و أربعين عاما في عمر الأمم و الشعوب تعد فترة وجيزة، و لكن كانت في حياة الشعب العماني العمر كله، هب الشعب وراء قيادته العام 1970، يعيد بناء الوطن، من نقطة الصفر بعد أن قيدته أغلال الجهل والفقر والتخلف ردحا من الزمن، و ها هي اليوم السلطنة من مصاف الدول في العديد من المجالات، فالمرحلة الماضية تركزت على إنشاء البنى الأساسية للخدمات التنموية التي لم تكتمل بعد في هذا الوطن المترامي الأطراف و معقد التضاريس، و متعدد البيئات ومتباين الثقافات و المشارب، وهذه بالطبع كلها تحديات تنموية كبيرة أعاقت التطور الذي ننشده وحالت دون أن تمضي عجلة التنمية كما يجب، لكن الإرادة السامية و الرؤية الثاقبة لجلالته تجاوزت التنمية في البلاد كل الصعاب و أذابت كل التحديات.
و لعل تأكيد جلالته في افتتاح مجلس عمان في الثاني عشر من نوفمبر لعام 2012، خير دليل على التذكير بما ما ركزت عليه التنمية في الفترة الفائتة و ما يثار حولها، حين أكد جلالته «وقد تمكنت خطط التنمية السابقة بحمد الله مع اتساع أرجاء عمان وصعوبة تضاريسها الجغرافية من إنجاز الكثير في هذا المضمار الأمر.
الذي غير وجه الحياة في هذا الوطن وسهل تنفيذ برامج التنمية الاجتماعية والبشرية وتوصيل الخدمات بشتى صنوفها وأنواعها إلى المواطنين حيثما كانوا وأينما حلوا وكما تعلمون فإن الحاجة إلى البنية الأساسية لن تتوقف أبدا لأنها عملية مستمرة يحتمها التوسع العمراني ويقتضيها التطور الاجتماعي والاقتصادي وتؤكدها حاجة الإنسان إلى التواصل والسعي من اجل حياة افضل وعيش اسعد لذلك فهي تحظى بالعناية دائما في كل مراحل التطوير والبناء دون استثناء وإن كانت تكتسب أهمية قصوى وتحظى بأولوية أكبر في بعض هذه المراحل لظروف خاصة واعتبارات معينة تقتضي إيلاءها هذه الأولوية.
ومن هنا فإن ما يثار أحيانا من حديث يراه البعض مبررا حول الاتجاه الذي اتخذته خطط التنمية السابقة في عمان من تركيز على البنية التحتية والأساسية أكثر من التنمية الإنسانية أو الاجتماعية يغفل في الواقع حقائق الأشياء ويتجاهل الأوضاع التي كانت قائمة والأولويات التي استدعتها هذه الأوضاع.
كما يتناسى هذا الحديث ما صاحب هذا الاهتمام بالبنية الأساسية ومنذ البداية من اهتمام مماثل بالتعليم والصحة والتجارة والصناعة والزراعة والمال والاقتصاد وكلها مجالات ترمي الدولة من وراء رعايتها وتطويرها إلى توفير سبل الحياة الكريمة للإنسان الذي هو ـ كما أكدنا دائما ـ هدف التنمية الشاملة وأداتها العاملة الفاعلة.
ومع ذلك فحكومة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله - لم تغفل تنويع مصادر الدخل في البلاد و تقليل الاعتماد النفط، فالمتتبع لخطابات جلالته في طوال السنوات الفائتة ولقاءاته مع المواطنين دائما يؤكد على هذه الجوانب، و حاضرة في كل خطط الحكومة الخمسية، وتحقق شئيا الكثير في هذا الشان، و بالطبع ليس كل الأماني و التطلعات في تنويع مصادر الدخل تحققت كما نتمنى لأمور كثيرة ليست بخافية عنا، ولطبيعة الأوضاع في بلادنا و ظروفها ومع ذلك جهود تنويع مصادر الدخل ماضية في العديد من المسارات في البلاد.
إلا أن ما يحز في النفس أن هناك البعض ممن يتجاهلون ما تحقق من تنمية في البلاد و تنويع مصادر الدخل ولا يقدرون أو يتجاهلون الظروف المحيطة التي صاحبت التنمية و تحدياتها و تنويع مصادر الدخل و عوائق المجتمعية، التي هم جزء لا يتجزأ منها، بل يزايدون على وطنية غيرهم بخدمة هذا الوطن و التفاني له.
فلا يجب أن نجلد الذات بأكثر و نلوك تنويع مصادر الدخل و ننكر الجهود التي بذلت طوال السنوات الفائتة، فليس هناك من لا يريد تنويع مصادر الدخل في البلاد أو يتمنى نعيش مثل هذه الأزمة أو نكون رهنا لانخفاض أسعار النفط، لكن عوامل كثيرة حالت دون بلوغ الأهداف، فالأمنيات شيء و الواقع شيء آخر طبعا.
نأمل أن نعزز الثقة في أنفسنا وما تحقق في بلادنا مصدر فخر واعتزاز للجميع، و لا نقلل مما تحقق في البلاد، ونتجاوز التحديات بالمزيد من الجهد و العمل الدؤوب الهادف إلى رفعة الوطن و نكران الذات.