منظمة العمل الدولية هي البرلمان أو التجمع الدولي الأكبر المخصص لقضايا العمل والعمال في العالم كما أن منظمة العمل العربية هى أكبر تجمع عربي للأيد العاملة العربية والقوانين المنظمة لها ،وقد أطلقت على اجتماعاتهم من قبل اسم «المهرجان العام للتنزه السنوي للمشاركين من وزاراء العمل وغرف التجارة والصناعة ونقابات العمال من 187 دولة وهم الأعضاء في منظمة العمل الدولية «،حيث تنعقد وتنتهى هذه المؤتمرات واجتماعاتها بدون إضافات حقيقية ،لأن أهم أهداف منظمة العمل الدولية هو زيادة المعرفة بممارسات التوظيف الفعّالة، وتحسين القوانين والسياسات وآليات إنفاذها، وتعزيز الممارسات العادلة في قطاع الأعمال، بالإضافة إلى تمكين العمّال وحماية حقوقهم على مستوى العالم،.
ولكننا نشهد كثرة النفقات والتكاليف والحركة والسفريات والاجتماعات والمؤتمرات والتوصيات ، وما يصاحبها من ضجيج وصخب واستقبالات وخطب رنانة وتصريحات جوفاء ، لم تثمر نتائجا إيجابية تحقق التطلعات الفعلية والحقيقية للعمال، على الرغم من وجود قضايا هامة ومُلحة تتعلق بالأيد العاملة المهاجرة خاصة من الدول العربية التي تلقى حتفها على شواطئ أوروبا هروبا من مجتمعاتها التي عجزت عن توفير فرص العمل لهم أو الحماية المجتمعية، لذلك تغامر بحياتها أملا في حياة أفضل في الدول الأوروبية ، التي تغلق أبوبها في وجه المهاجرين العرب ، بالإضافة إلى الملف الأخطر وهو تمسك بعض الدول بنظام «الكفيل» الذي يخالف كل القوانين والتشريعات المدنية والسماوية ، وقانون حقوق الإنسان ،والغريب أن منظمتي العمل العربية والدولية تتغاضى عن ذلك وتستجيب لضغوط البعض ، في الإبقاء على هذا النظام على الرغم من كثرة المناقشات والمجادلات والمداولات والانتقادات الدولية والمحلية حول مراجعة نظام الكفالة وإلغائه، وإحجام علماء الدين عن طرح رأيهم في هذا النظام ،ولكن يبدو أن المشكلة تكمن في محتوى هذه المناقشات التي تحتوي في مضمونها رغبة خفية أو غير معلنة في عدم تغيير هذا النظام بل والاحتفاظ به ، لأنها لم تطرح جديا الخيارات أو تقدم النظام البديل، التي تطبق في الدول الغربية ، ما أدى إلى قصور معالجة الاختلالات في أسواق العمل العربية ، خاصة أنها لم - وربما لن - تصادق على الوثائق والمعاهدات الدولية ومنها الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1990،
بالإضافة إلى ضرورة توفير الرعاية اللاحقة للعمال المسرحين بلا ضوابط ، أو بمباركة بعض السلطات أثناء جائحة كورونا وتعرض معظمهم للسجن بعد تعثرهم في سداد مستحقات البنوك -التي لم تراع ظروفهم الصعبة - وأقساط المسكن أو السيارة ، باعتبار أنها ظروف قاهرة خارجة عن إرادتهم ولا دخل لهم فيها ، وكان من الضروري تدخل منظمة العمل الدولية مع المشرعين لإصدار القوانين التي تُنظم وتُيسر لهؤلاء الوفاء بالتزاماتهم تجاه الغير وتجاه أسرهم التي تضررت من ذلك،
إلى جانب حث الدول إلى معالجة آثار التضخم وموجات زيادة الأسعار العالمية ، في ظل ثبات أجور العمال ، التي أصبحت لا تكفي متطلباتهم الحياتية ، مع استمرار بعض شركات ومؤسسات القطاع الخاص في استقطاع 50% أو أكثر من رواتهم ، منذ جائحة كورونا وحتى الآن ، واستمراء ذلك بزعم انهيار الاقتصادات العالمية تحت غطاء أزمة الحرب الروسية الأوكرانية ، مع صمت نقابات العمال أو عجزها عن حماية حقوق العمال ،لذلك على المشاركين في الدورة الـ 111 لمؤتمر العمل الدولي في جنيف فتح هذه الملفات بجدية واتخاذ القرارات التي تدعم أسواق العمل وتحمى طبقة العمال.
خاصة أن المؤتمر يُقعد برئاسة عربية من دولة قطر خلال الفترة من 5 يونيو إلى 16 يونيو الجاري، ويحضرها أكثر من 5000 مشارك من رؤساء الدول والحكومات والوزراء المعنيين في الدول الأعضاء، وممثلي أصحاب العمل والعمال والمنظمات الدولية والحكومية والعمالية.
وكان مؤتمر العمل العربي الذي عقد بالقاهرة في مايو الفائت قد أوصى باستمرار العمل في اختيار معايير العمل العربية التي يجب مراجعتها وإدخال تعديلات على أحكامها حتى تتماشى مع التحديات الراهنة والتغيرات المستجدة ، واستحداث معايير عمل عربية جديدة وذلك في إطار العمل على تطوير معايير العمل العربية باستمرار باعتبارها من أبرز الآليات الصادرة عن المنظمة في سبيل تطوير تشريعات العمل العربية، وتحديث موسوعة تشريعات العمل العربية للاستفادة من تشريعات العمل الحديثة المواكبة للتطورات الخاصة بأسواق العمل ،إلا أن هذه التوصيات هلامية لم تحدد ما هي معايير العمل التي تحتاج إلى مراجعة أو تطوير ولم تحدد سقفا زمنيا للانتهاء منها ، كما لم تضع مواصفات المعايير المطلوب استحداثها ، والغريب أيضا أن التوصية الوحيدة المحددة كانت خاصة بأوضاع العمال في فلسطين على الرغم من أن الجميع يعلم أن سلطات الاحتلال في فلسطين لا تعبأ بأي قرارات حتى الصادرة من الأمم المتحدة ،ولم تتطرق التوصيات إلى أوضاع العمال فى سوريا ولبنان وليبيا واليمن والسودان وهم يعيشون في أوضاع مأساوية ، فضلا عن مشاكل العمال في مختلف أسواق العمل العربية، لنظل نعيش حالة بين تناقض الأقوال مع الأفعال