د. فيصل القاسم
ما إن بدأ دونالد ترامب حملته الانتخابية للوصول إلى الرئاسة في أمريكا حتى راح يهدد إيران يميناً وشمالاً، فلم يترك فرصة أثناء فعالياته الانتخابية إلا ووجه فيها اتهامات لإيران. وقد حاول ترامب أن يظهر للأمريكيين وللعالم الخارجي أن سياسته تجاه إيران ستكون مختلفة تماماً عن سياسة سلفه باراك أوباما وأكثر حزماً معها. ألم يعلم ترامب أن الذي يحدد السياسة الخارجية الأمريكية مع العالم الخارجي ليس الرئيس بل الدولة الأمريكية العميقة؟ لا شك أن الرئيس الجديد يحمل نبرة عدائية شخصية ضد إيران، لكنه لن يكون قادراً على أي شيء سوى التعبير عن عدائه الشخصي لإيران. هل تذكرون تهديدات ترامب بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران؟ هل تذكرون كيف كان يطلق التصريحات النارية أثناء زياراته للخارج ضد إيران؟
لقد أعطى ترامب الانطباع للعالم لدى وصوله إلى السلطة في البيت الأبيض أن شغله الشاغل أثناء فترته الرئاسية الأولى ستكون إيران والحد من طموحاتها. لكن الكثيرين باتوا يرون أن أمريكا أصبحت أضعف بكثير من استهداف إيران عملياً، وأن تهديدات ترامب باتت مجرد هواء ساخن، وأن الاتفاقات التي عقدتها الإدارة الأمريكية السابقة مع إيران ليست قابلة للتغيير بجرة قلم كما يوحي الرئيس الأمريكي الجديد.
وقد حبس البعض أنفاسه إلى حين موعد تمديد العمل بالاتفاق النووي المبرم مع إيران. لقد ظن البعض أن ترامب من شدة غضبه من إيران وحملاته الإعلامية ضدها سيقوم بإلغاء الاتفاق معها. لكن الرئيس الأمريكي وافق هذا الأسبوع بهدوء على التمديد بالعمل بالاتفاق النووي مع إيران. لكنه أصدر حزمة سخيفة من العقوبات ضد أشخاص وهيئات إيرانية على علاقة بمشروع إيران الصاروخي، وهي عقوبات باتت معهودة ومعروفة بأنها لا يمكن أن تؤثر لا بالسياسات الإيرانية ولا بأي شيء يخص إيران. وقد كان حرياً بالذين طبلوا وزمروا للعقوبات الأمريكية الجديدة على إيران أن يعلموا أن لعبة العقوبات ضد إيران سخيفة جداً ولا أثر لها أبداً على السياسة الإيرانية، بدليل أن العقوبات الأمريكية مفروضة على إيران منذ أكثر من ثلاثين عاماً ولم تزد إيران إلا قوة وإصراراً على تنفيذ سياساتها ومشاريعها العسكرية والنووية. وقد لاحظنا أن إيران طورت مشروعها النووي وهي تحت العقوبات الأمريكية، فكيف إذاً ستؤثر فيها عقوبات ترامب الجديدة الكوميدية التي لا تساوي جناح بعوضة؟
وفي خضم الحملة الترامبية الإعلامية على إيران تمكنت إيران من فتح ممر بري تاريخي يربط طهران ببغداد بدمشق ببيروت رغم الضغوط والقصف الأمريكي في بعض الأحيان.
وقد تبخرت التهديدات الأمريكية الترمبية لإيران تماماً بعد مباركة الرئيس الاتفاق النووي مع إيران بعد أن كان من قبل قد وصفه أنه أسوأ وأخطر اتفاق وقعته أمريكا في تاريخها.
لقد ظن العالم أن الحرب بين أمريكا وإيران ستندلع فور وصول ترامب إلى البيت الأبيض، لكن الواضح أن إيران تجاوزت الآن العقوبات والتهديدات الأمريكية وأن أمريكا لن تستطيع فعل شيء ضد إيران سوى العقوبات والحملات الإعلامية المعهودة منذ عقود.
إعلامي في قناة الجزيرة