هيبة المعلم

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٤٨ ص
هيبة المعلم

لميس ضيف
إبان زيارته لنقابة المعلمين، فاجأ وزير التربية والتعليم السابق د.إبراهيم غنيم الحضور بانتقاد التلفزيون المصري لأنه مازال يبث مسرحية «مدرسة المشاغبين» بين الفينة والأخرى مؤكدا أن «النظام السابق حاول ببث هذه المسرحية ودعمها تحطيم علاقة الاحترام بين التلاميذ والمعلمين».

كثيرون حاولوا تأريخ انهيار التعليم في مصر والدول العربية وربط ذلك بتلك المسرحية أو سواها.. يقول أحمد منصور: «لقد لعبت المسرحية دورا خطيرا في إفساد الطلبة وأذواقهم واحترامهم لمعلميهم ودفعتهم للجرأة والسخرية والاستهزاء بأرقى مهنة في العالم وهي مهنة المعلم وهذا ما لم يحدث في ثقافة أي أمة تحترم نفسها فالتعليم والمعلم لهما المكانة الأولى في كل الأمم المتحضرة والمتعلمة».

فهل هناك مؤامرة قديمة ضد مكانة المعلم وهيبته أم هو من تآمر على نفسه؟ سؤال يستحق التأمل..
شخصيا أعزو – أحيانا – حبي للغة العربية والتاريخ للمعلمات اللواتي تقاطعن معي في حياتي وشكلن شغفي بالتعليم في سنين عمري الأولى. كما أعزو علاقتي «المتوترة» بالرياضيات لحقيقة أن معلمات الرياضيات -في وقتي- كن وافدات من دول بُني نظامها التعليمي على مبدأ التكرار والعقاب، وهو ما خلق نفورا منهن انعكس بدرجة ما على حبي للمادة من أساسها.
في زمن الطيبين ذاك كنا نبني علاقات شخصية مع المعلمات، نبحث عن نظرة امتنان منهن ونخشى خذلانهن.. لا شك أن شيئا ما تغير ولهذا التغيير بعد أعمق من «المؤامرات الإعلامية» التي لا ننفي تأثيرها بشكل قاطع. أحد أهم مظاهر التغيير هو عدم تقبل أولياء الأمور لما يصدر من المعلمين والمعلمات. سابقا كانت العلاقة بين المدرسة والبيت « تكاملية» وكان الآباء يدعمون بشكل كلي ما يتخذه المربون/‏ المعلمون من قرارات.. أما الآن فيتحين كثير من أولياء الأمور الفرصة للشكوى على المعلمين أو مساءلتهم في قراراتهم أو حتى أسلوب تعليمهم للتلميذ!
كثير من المدرسين يخشون اليوم اتخاذ أي إجراء أو خطوة تأديبية ضد التلميذ خوفاً من ردة فعل ذويه. وإدارات المدارس أيضا لا ترحم.. وحقيقة أن المدارس اليوم في مجملها خاصة يدفع ولي الأمر فيها مبالغ طائلة غيرت ميزان القوى أيضا ضد المعلمين.. وكثيرا ما يستدعي مدير المدرسة أو مشرفها المدرس لمحاسبته على قراراته أمام التلميذ وولي أمره، وكثيرا ما يُجبر المعلمون – مكرهين- على قرارات تخالف حدسهم وتقديرهم للموقف!
سقى الله الزمن الذي كنت تذهب فيه للشكوى لوالديك من معلم فيأخذون صفه ويتبنون وجهة نظره دون أن يسمعوها منه. لقد كان للمعلم هيبة، نعم، ولكنها كانت مستمدة من الإدارات المدرسية والمعلمين ومن وضعه الاجتماعي والمادي أيضا.. فلا يخفى عليكم أن المعلمين اليوم، براتبهم المتواضع، لا يعدون كونهم طبقة وسطى أو أقل من ذلك. وهو ما ينعكس بلا شك على وضعهم الاجتماعي أمام أولياء الأمور والتلامذة أيضا..

تنمية التعليم هدف يتصدر قائمة أوليات الدول قاطبة. ولن تنهضوا بالتعليم قبل أن تنهضوا بالمعلم الذي يمثل قلب التعليم وروحه. فكل التحية للمعلمين أشباه الرُسل مع دعوة مفتوحة منا للنهوض بوضعهم وتقويمه.