تذليل عقبات السوق التي تواجه المضادات الحيوية الجديدة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٤٨ ص
تذليل عقبات السوق التي تواجه المضادات الحيوية الجديدة

جيم أونيل

من المنظور الصارم لبعض المستثمرين، تُعَد الإدارة المالية الحكيمة من قِبَل الشركات لتعزيز أسعار أسهمها ممارسة جيدة. ووفقا لهذا المنطق الضيق، عندما يتعلق الأمر بصناعة المستحضرات الدوائية، فلا ينبغي لنا أن نكترث عندما تتعزز أسعار أسهم شركات الأدوية ليس بسبب اكتشافات جديدة، بل بفِعل مناورات مالية، مثل إعادة شراء الأسهم أو التهرب الضريبي. بيد أن صناعة الأدوية ليست كمثل أي صناعة أخرى. فهي ترتبط جوهريا بالصالح العام، وقد وفرت تاريخيا الإبداع الطبي الذي يشكل ضرورة أساسية لتمكين المجتمعات من مقاومة المرض. فضلا عن ذلك، ورغم أن المرضى هم المستهلكون، فإن المشترين الفعليين هم الحكومات غالبا. وحتى في الولايات المتحدة، تمثل المشتريات العامة ما لا يقل عن 40 % من سوق الأدوية الموصوفة طبيا. تتولى الحكومات أيضاً تمويل قسم كبير من البحوث التي تستند إليها أرباح هذه الصناعة. وتعتبر حكومة الولايات المتحدة الممول الأكبر في العالم للبحث والتطوير في مجال الطب؛ وعلى مستوى العالم، يتولى دافعو الضرائب تمويل ثلث الإنفاق على البحوث الصحية. لا ينبغي لنا أن نندهش إذن عندما يصر صناع السياسات على توجيه الجهود الإبداعية التي تبذلها الصناعة إلى المجالات التي توفر القدر الأعظم من الفائدة لدافعي الضرائب والمرضى، وليس نحو تلك المجالات التي ربما تكون الأكثر ربحية للصناعة في الأمد القريب مثل المناورات المالية. تصبح صناعة الأدوية في أفضل حالاتها عندما تتزامن الربحية الخاصة والمنفعة الاجتماعية، كما يحدث عندما تجتذب أدوية جديدة مفيدة حصصا كبيرة في السوق. ولكن من المؤسف أن هذه ليست الحال دوما وقد تكون النتائج مأساوية. ففي مجال تطوير المضادات الحيوية بشكل خاص، يدفع التباعد بين السلوك الساعي إلى تحقيق الربح والمصلحة العامة العالَم إلى شفا الأزمة. عندما دخلت المضادات الحيوية الاستخدام العام أول مرة في أربعينيات القرن العشرين، أصبحت الحالات التي كانت تُعَد بالغة الخطورة سابقا، مثل الالتهاب الرئوي أو الجروح الملوثة، حالات حميدة يمكن علاجها بسهولة. والواقع أن المضادات الحيوية تشكل الأساس للطب الحديث؛ وفي غيابها تصبح الجراحة أو العلاج الكيميائي ممارسات أخطر إلى حد كبير. بيد أن المضادات الحيوية تفقد فعاليتها بمرور الوقت. وفي حين كانت الأجيال السابقة من العلماء تتمكن بسرعة من إيجاد بدائل جديدة، أصبح الأطباء في كثير من الحالات اليوم عند آخر الخطوط الدفاعية. ففي مواجهة مجموعة واسعة من أشكال العدوى -بما في ذلك سلالات من الالتهاب الرئوي، والإيكولاي، والسيلان- لم يعد لديهم في الاحتياط أي بدائل.

قد يتصور المرء أن هذا من شأنه أن يدفع شركات الأدوية ومستثمريها إلى التنافس على تطوير مضادات حيوية جديدة. ولكن قسما كبيرا من صناعة الأدوية هجر هذه المساعي. إن تطوير مضادات حيوية جديدة أمر صعب ومكلف والأمر الأكثر أهمية أنه أقل ربحية من الاستثمار في مجالات أخرى مهمة، مثل السرطان والسكري. يكمن جزء من المشكلة في الأهمية الفريدة لهذه العقاقير. فالشركات ليست دائما قادرة على استرداد استثماراتها من خلال تحديد ثمن باهظ للمضادات الحيوية الحاصلة على براءات اختراع. فعندما يتم اكتشاف مضاد حيوي جديد، ترغب السلطات الصحية العامة في إبقائها في الاحتياط، فتصر على عدم استخدامها إلا عندما تفشل كل الخيارات الأخرى، وهي محقة في هذا. ونتيجة لهذا فإن أي مضاد حيوي جديد قد لا يستخدم على نطاق واسع إلا بعد أن تنتهي براءة اختراعه ويضطر مخترعوه إلى منافسة الشركات المصنعة للأدوية السائبة التي لا تحمل علامات تجارية.
جيم أونيل السكرتير التجاري لوزارة الخزانة في المملكة المتحدة