تتوج الزيارة التي يقوم بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه- إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم؛ العلاقات المتميزة بين البلدين الصديقين، وتحتل أهمية كبيرة على العديد من المستويات والأصعدة السياسية والاقتصادية، وحافظت على أوج تميزها في مراحل صراعات عاشتها المنطقة لم يشهد لها مثيل في العالم مما تسمى بحرب الخليج الأولى (الحرب العراقية الإيرانية) إلى أزمة الرهائن الأمريكيين إلى حرب الخليج الثانية وما بينهما من تجاذبات بين أطراف عدة في العالم، ومرورا بالأزمة اليمنية وغيرها من أزمات مرت بها المنطقة تكمل نصف قرن من الزمان.
وإلى اليوم ما زالت المنطقة لم تهدأ بعد؛ إلا أن العلاقات العمانية الإيرانية ظلت بعيدة عن كل هذه التباينات وغيرها، وظلت سلطنة عمان هي الدولة الحيادية التي تلجأ إليها الدول المتصارعة للإمساك بخيوط الأمل كلما اشتدت الأزمات المتتالية مع إيران؛ وسط صراعات عميقة تغذيها الجوانب الأيديولوجية وما بينها من أهداف؛ دفعت فيها دول المنطقة ثمنا باهظا من الضحايا والدمار والعداوات وغيرها، وانعكاسات ذلك على التنمية في هذه البلدان واستقرارها وزيادة التسلح لدى كل الأطراف على حساب فاتورة التنمية والاقتصاد؛ الأمر الذي يبعث على الارتياح للتطور الذي شهدته هذه العلاقات ورجوع دول المنطقة إلى صوابها في معرفة الحقائق على الأرض، وتقدير الأمور بميزان العقل والحكمة التي ظلت عمان تنادي بها طوال 50 عاما الماضية، ومفاد
ها بأن الجوار الجغرافي بين الدول لا يدار بالصراع والحروب؛ وإنما بالعلاقات ومد الجسور والتنمية، وأن الفائزين من هكذا صراعات هم أكبر الخاسرين.
ولعل هذه الزيارات المتبادلة على مستوى رؤساء الدول تعبر في الحقيقة عما شهدته هذه العلاقات من تطور تجاوز كل التحديات، وعبر كل الأزمات التي عانت المنطقة منها الواحدة تلو الأخرى.
فاليوم تأتي زيارة جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - لكي ترسم ملامح المستقبل لعلاقة أكبر وأفضل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتدفع بمسارات التعاون والعلاقات العُمانية الإيرانية إلى الأمام، والتي تشكل أهمية كبيرة على العديد من الأصعدة والمستويات الثنائية والإقليمية والدولية. كما تمثل منعطفا جديدا للتعاون؛ خاصة بعد انفراج العلاقات بين دول المنطقة، والتطورات في العالم؛ والتي تتطلب الكثير من التوافق بين الدول، وتفهما أكبر للأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تفرض التعاطي بمسؤولية أكبر بعد فترات من الصراعات التي اكتوت بها المنطقة.
وتجيء زيارة جلالة السلطان المعظم - حفظه الله - عقب زيارة قام بها الرئيس الإيراني الدكتور إبراهيم رئيسي إلى سلطنة عمان وما شهدته تلك الزيارة من ترسيخ للعلاقات المتنامية على العديد من الأصعدة والمستويات، وما شهدته من توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين في مجالات النفط والغاز والزراعة والأسماك.
فالتعاون الاقتصادي بين البلدين يمثل أهمية كبيرة في المرحلة الراهنة والقادمة؛ باعتبار أنه يقود التعاون في دول العالم ويعزز من ترابط المصالح، ويترجم ما وصلت إليه العلاقات السياسية بين الدولتين الجارتين، وما شهدته من مراحل تطور طوال السنوات الماضية.
نامل أن تشهد العلاقات الاقتصادية بين البلدين تطورا أفضل؛ يعكس مستوى العلاقات الثنائية لما فيه رفاهية الشعبين، والاستفادة من مناخ الاستثمار في سلطنة عُمان بشكل يعزز من قيمة التبادل التجاري إلى مستويات أكبر مما هو متحقق. وهنا يعول على القطاع الخاص بالبلدين في ترجمة هذا التعاون، وتعظيم الاستفادة منه بشكل يتلاءم مع التفاهم العماني الإيراني.
علي بن راشد المطاعني