المثال في حقن الدماء وصون الأنفس

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٠٥ ص
المثال في حقن الدماء وصون الأنفس

فريد أحمد حسن

الحوار الذي أجراه التلفزيون العماني أخيرا مع سماحة المفتي العام للسلطنة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي كان مهما ، وكله مفيد ، حرص من خلاله سماحة المفتي على إيصال رسالة إلى الأمتين العربية والإسلامية ملخصها أن الصلح بين الدول ليس فرض كفاية ولكنه واجب ينبغي أن يشغل بال الجميع وأن يبذل كل ذي قدرة على ذلك كل الممكن لوقف الدماء التي تسيل وأغلبها للأسف من الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة ، ولا علاقة لهم بما يجري . فهذا العمل الواجب من شأنه أن "يحقن الدماء ويصون الأنفس ويحفظ الأعراض والأموال والكرامة" كما قال سماحة المفتي الذي حرص أيضا على توفير ما يلزم من معلومات لتبين حجم الكوارث التي تنتج عن الحروب و"الأخلاق" التي ينبغي أن يلتزم بها المتحاربون فقال على سبيل المثال "القتال في سبيل الله يشرع ألا يكون فيه بغي أو عدوان على أحد ، وألا يتعدى الذين يقاتلون .. وأن البغاة يجب ألا تستباح أموالهم ولا أعراضهم ولا تسبى ذراريهم ولا تغتنم أموالهم لأن ذلك حرام لا يجوز أبدا وإنما يُقاتلون ليردعوا عن البغي فقط " ، وكرر قوله إنه عندما تثور الفتن بين العشائر أو الطوائف يصبح الإصلاح لإطفاء تلك الثائرة أمرا واجبا .
وبغية توفير مثال عملي حرص التلفزيون على توجيه سؤال مهم لسماحته عن الدور المطلوب من الإنسان العماني في هذا السياق خصوصا وهو يرى المثال والنموذج المتمثل في شخص صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله والذي لم يتأخر قط عن السعي لإصلاح ذات البين بين الدول ووظف الدبلوماسية العمانية خير توظيف وحقق في هذا الخصوص نجاحات أدهشت العالم وكانت سببا لحقن كثير من الدماء .
في هذا الخصوص قال سماحة المفتي إنه "لا ريب أن طبيعة العمانيين منذ قديم الزمان فيها الميل إلى الألفة والرفق والعدل وإلى القضاء على الشقاق والخصام ما بين الناس" وشرح أن "هذه التركة خلفت له ، وعليه أن يحافظ عليها وأن يكون دائما ساعيا للقضاء على الشقاق والخصام وكل ما يحدث بين الناس مما يفرق كلمتهم ويمزق جماعتهم" مؤكدا أن هذا الأمر "مسؤولية دينية لأن الإسلام يفرض ذلك على أهله" واستشهد بما هو ثابت عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أنه عندما ذكر عمان ، ما ذكرها إلا بالخير ، فقال لرسوله الذي ذهب إلى قوم سبوه وضربوه "لو أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك" مبينا أن الخير من طبع أهل عمان وكذلك حبهم للعدل والإنصاف بين الناس .
الشيخ الخليلي رأى أيضا أنه بنية وقصد تحقيق المصالحة بين طرفين متحاربين فإنه لا بأس من "التكتيك السياسي" بل لا بأس حتى من الكذب لو أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى المصالحة المنشودة ، فقال إن مثل هذا العمل "بجانب كونه تكتيكا سياسيا هو من البر لأن حقن الدماء أمر محمود عند الله ومحبوب إليه سبحانه وتعالى ، والقضاء على الشقاق بين عباده مطلب ديني من مطالب شريعته سبحانه" . لهذا فإنه "من الأمور التي يجوز فيها الكذب إذا كان الإنسان يرى أن الصلح لا يتم إلا عندما يحاول أن يقرّب وجهات النظر ما بين الجانبين بشيء منه ، فيذكر مثلا للشخص الذي يحاول أن يجتذبه إلى الطرف الآخر أنه يضمر له الخير ويريده له ويثني عليه خيرا" .
وإذا كان بعض حديث الشيخ الخليلي عن دور أهل الخير في إحداث مصالحة بين الأفراد إلا أن أساسه كان عن الدماء التي تسيل بسبب هذا الكم الهائل من الحروب التي تزداد وتتسع ولا يراد لها أن تتوقف ، في سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال وأفغانستان وغيرها من الدول العربية والإسلامية . من هنا فإن من المهم جدا قيام المعنيين في السلطنة العمل على بيان ما قامت وتقوم به عمان وقائدها من جهود كبيرة لوقف تلك الحروب والمجازر ، لا من باب التفاخر أو المنة ولكن بهدف توفير الأمثلة العملية على ما يوصل إليه السلام إن حل بين أطراف دخلت في حروب أو استمرت في مناكفة بعضها البعض أو شابت علاقاتها التوتر ، فما يربحه الداخلون في السلام كثير ، وما يخسره الداخلون في الحرب كثير ، بل كثير جدا .
المثال الذي توفر للعالم عند التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني مع الولايات المتحدة والغرب إثر الدور الذي قامت به سلطنة عمان سواء في توفير المكان والسرية في العمل أو في تهيئة الأطراف ذات العلاقة وتقريب وجهات النظر مثال يستحق أن يبرز ويدرس وأن يتبين العالم حجم الكوارث التي تم منع حدوثها بسبب هذا الدور الجميل للسلطنة ، وكذلك الأدوار الأخرى التي قامت بها السلطنة وأدت إلى تسهيل لقاء الأطراف ذات العلاقة في حرب اليمن في دولة الكويت ، وفي حرب سوريا في جنيف ، وفي حرب ليبيا ، فهذه كلها أمثلة مهمة ينبغي الاستفادة منها في تأكيد هذا التوجه وبيان حجم المكاسب التي تتحقق من خلاله للأطراف المتحاربة وللعالم أجمع .
تقديري أنه لن يطول الوقت حتى تكشف تفاصيل الدور العماني في إحلال السلام في سوريا والعراق واليمن وليبيا بشكل خاص ، وكذلك دور دول أخرى تؤمن بأن عليها واجبا تجاه البشرية ينبغي أن تقوم به ويؤدي إلى حقن الدماء وإحلال السلام والمحبة بين البشر .

· كاتب بحريني