في الوقت الذي تبذل فيه الحكومة جهودا طيبة في تنفيذ رؤية عُمان 2040 ، رغم اللغط الكبير حولها وحول تسويقها ، ورغم ما تحمله هذه الرؤية من آمال كبيرة في النهوض بهذا الوطن وأبناءه لرحاب مستقبل أفضل بكل تجلياته النورانية ، إلا أن التغيير الأكبر والأهم لابد من أن ينبثق من المواطن نفسه إزاء التكيف مع المتغيرات التي يشهدها العالم عبر تسارع لابد من مواكبته واللحاق به ليس من الدول والحكومات وإنما حتى من الأفراد ومن كافة الجوانب الحياتية والعملية لكي لا يتفاجأ في يوم من الأيام بأنه عاجز عن مواكبة ما يدور حوله بل ويعاني من المصاعب الحياتية المختلفة ، فالغد الآتي ليس معقود لواءه على سلطنة عُمان وحدها وإنما العالم كله مرتهن به ، وبذلك لن يكون أفضل من اليوم إن لم يتم إستيعاب هذه المسلمات التي تلامس حياة الفرد والمجتمع كما ينبغي .
ومن هنا فالإنسان يتعين عليه أن يعي ذلك ويتعايش معه وفي كل ما يمس حياته ، الأمر الذي يتطلب أن نستعد لهذه المرحلة من الآن والعمل بكل ما في وسعنا لنغدو جزءا لا يتجزأ من عملية التغيير الحتمية ، لا عبئا عليها أو حجر عثرة أمام طريقها.
بلاشك أن الجهود المبذولة تمضي بوتيرة متسارعة في كل المجالات التنموية في البلاد وعبر تقييم مستمر على كافة الأصعدة والمستويات وبمتابعة مستمرة من حضرة صاحب جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - شخصيا ، إلا أن ما يلاحظ أن التغيير في الجانب الآخر لا يتحرك بذات الوتيرة التي تمضي بها عجلة التنمية والتغيير في البلاد ، ولا في مواكبة هذه التطورات عبر بلورة متطلباتها ، وإستنهاض المواطن لنفسه بالوعي بالمستتجدات والمتغيرات الحياتية التي يشهدها العالم ومن ثم التعاطي معها بالإيجابية المطلوبة ليكون الإنسان رقما فاعلا في معادلة رؤية عُمان 2040 ، وعامل قادر على إحداث تغيرات جوهرية في مسار حياته التي يتطلبها العصر ، ومن أهمها التكيف مع الواقع ومجاراته وتقنين إحتياجاته ومتطلباته وترشيد إستهلاكه وتطوير قدراته بشكل مستمر ليتسنى له اللحاق بالتطور المتسارع من جانب ، وزيادة دخله المادي من جانب آخر ، فلا يمكن أن نشهد تطورات مادية في مجالات كثيرة بدون أن يكون هناك تطورا في المقابل لدى المواطن.
ومن متطلبات التغيير المطلوبة التي يتعين أن ينتهجها المواطن اليوم هو أن يكون أكثر فاعليه وقدرة على إحداث تغيير في حياته الشخصية وأسرته تتماشى مع المتغيرات المتسارعة في الحياة المعاصرة كحجم الأسرة وطبيعة الإنفاق الجاري وتقليل الإلتزامات المترتبة إلى مستويات تفي بالحياة الكريمة بدون مغالاة .
فهذه الجوانب المهمة تتطلب جهدا مماثلا في التوعية بهذه المتغيرات ومتطلباتها والعمل على تمكين المواطنين لفهم ما يجري حولهم في الواقع ، وكيفية التعاطي معه ، وإحداث تغيرات جذرية في تفكير المواطنين في المستقبل عبر إستيعاب متطلباته وتحدياته وكيفية إنسجامه معها.
بالطبع هناك من يعي ما تشهده المرحلة ومتطلباتها المستقبلية ، ويعمل في هذا الإتجاه ، إلا أن العامة من المواطنين مازالوا غارقين في أحلام اليقظة الوردية بشأن الغد الآتي بدون الإلتفات إلى الواقع وإلى أين يمضي بهم وبنا ، وبدون الإعداد لما يتطلبه المستقبل ، وهي نقطة جوهرية ينبغي مكاشفتهم بها اليوم وليس الغد ،لان الغد قد يكون هو نهاية المطاف .
نأمل أن نرى تغيرات واسعة في ذهنية المواطن بما يشهده العالم من تطورات تمس حياته اليومية وتتطلب تغيرا في حياته وعملا دؤوبا للغد بدون إسفاف أو مغالاة في متطلبات الحياة ، ومن ثم إحداث التوازن في كل شيء في هذه الجوانب وغيرها ، وهي متطلبات ذات أهمية جوهرية في المرحلة القادمة.