بقلم :محمد بن محفوظ العارضي
دراسة تتوقع نمو الشركات العائلية في دول مجلس التعاون خلال السنوات المقبلة
أجرت شركة الاستشارات العالمية "ديلويت" بحثاً في وقت سابق من العام الجاري حول الشركات العائلية في منطقة مجلس التعاون الخليجي، مشيرة إلى أن معظم قادة تلك الشركات يتوقعون نمواً ملحوظاً خلال السنوات المقبلة. ويخالف ذلك مجمل التوقعات في الدول المتقدمة عبر أرجاء العالم، حيث تتهيأ الشركات لفترة عسيرة. ولكن نظل نحن متفائلين إلى درجة ما في منطقة مجلس التعاون الخليجي بسبب تنوع الاقتصادات بصورة متزايدة والتخطيط الدقيق والإنفاق الاستراتيجي الحكومي وارتفاع أسعار النفط.
واليوم، وعلى الرغم من التحولات المفاجئة في الظروف الاقتصادية العالمية، فقد منحت جهود حكوماتنا وصلابة مواطنيها مجموعة من نقاط القوة وفرص التوسع لدولنا، ويجب ألا نتعامل معها باستهتار.
إن ريادة الأعمال تتشابك بعمق في نسيج التراث العربي، وأدت الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي دوراً أساسياً في دفع عجلة الأعمال في دولنا، بدءاً من إقامة شراكات تعاونية مع لاعبين عالميين ووصولاً إلى تكوين أسماء محلية لامعة تدعم الاقتصادات عبر تحسين التجارة والتوظيف.
وتمنح هيكلية الملكية ضمن الشركات المملوكة للعائلات أفضلية على الشركات الكبرى، إذ تركز الأولى بصورة أكبر على المدى البعيد مقارنة بمؤسسات الملكية العامة.
وبحسب مقال نشرته مجلة "هارفارد بزنس ريفيو"، تحت عنوان "ما يمكن تعلمه من الشركات العائلية"، تتفوق الشركات المملوكة للعائلات خلال فترات الركود الاقتصادي على شركات الملكية العامة ذات الحجم المماثل، كما تتميز بأداء أفضل على المدى البعيد، وإن بدت متأخرة قليلاً عن نظيراتها العامة خلال فترات النمو الاقتصادي.
وتثير تلك النتائج الاهتمام وتوفر قدراً هائلاً من الأمل لدول مجلس التعاون الخليجي، لذا أدعو جميع أصحاب الشركات العائلية عبر أنحاء المنطقة إلى اغتنام فرصة إلقاء الضوء على مساهماتهم الاقتصادية والتفاعل مع الأطراف المعنية الأخرى للاستفادة من الإمكانات المتاحة بأقصى قدر والمساعدة على توجيه دولهم نحو المزيد من الاستقرار والنمو.
يوجد مجال لتعاون الحكومات مع الشركات العائلية الكبرى وتشجيعها على إقامة شراكات إستراتيجية مع الشركات الصغيرة في المجتمع المحلي، بما يشمل رواد الأعمال الشباب. وتشكّل منطقتنا موطناً لعدد لا يحصى من العقول الشابة والمشرقة والمبتكرة، والذين يمكنهم الاستفادة من التوجيه والتفاعلات التجارية التضافرية بهدف تجسيد رؤاهم وتحفيز النمو ضمن قطاعاتهم.
تشير التقديرات إلى أن الشركات المملوكة للعائلات توظف 80 بالمئة من القوى العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك وفقاً لبحث نشرته مجلة أكاديمية الإدارة الاستراتيجية في العام 2020. وفي ظل اتجاهات التوظيف سريعة التطور والتحول نحو زيادة رقمنة الأعمال وارتفاع عدد الوظائف المختلطة وفرص العمل عن بعد، أعتقد أن الشركات العائلية تتمتع بحضور يساعدها على تمكين واستثمار مجموعة مواهب أكثر ثراءً وأوسع نطاقاً من أي وقت مضى.
وعبر طرح المزيد من خيارات الدوام الجزئي والمختلط والعمل عن بعد، يمكن لتلك الشركات خلق فرص عمل تدمج اقتصادياً مَن واجهوا تحديات مرتبطة بإمكانية الوصول إلى الوظائف في الماضي، مثل الطلبة بدوام جزئي، والنساء اللواتي يتولين مسؤولية تقديم رعاية تتطلب منهن البقاء في المنزل، وذوي الاحتياجات الخاصة الذين يمكن تلبية احتياجاتهم على أفضل وجه بإزالة ضرورة ذهابهم إلى مكان العمل.
إن المواهب المتنوعة تضيف قيمة هائلة ولا شك فيها إلى أي مؤسسة، وتمتلك الشركات العائلية في المنطقة حضوراً يمكّنها من خلق فرص لمجموعة أكبر من الباحثين عن عمل بصورة لم يسبق لها مثيل. كما تؤدي زيادة الرقمنة وتبسيط العمليات التجارية إلى الارتقاء بالكفاءة ونمو الإيرادات.
وفي ظل مواجهة الدول المتقدمة عبر أنحاء العالم لسلسلة من النكسات الاقتصادية، يتجه المزيد من المستثمرين الأجانب إلى منطقة الخليج لجني عوائد أفضل. إذاً يجب علينا التحرّك بسرعة، فالشركات العائلية في المنطقة التي أدت دوراً رئيسياً في بناء المشهد التجاري في دولها تمتلك حضوراً متميزاً يمكّنها من تكوين شراكات استراتيجية مع المستثمرين الأجانب المهتمين بالمنطقة، ويمكنهم كسب الكثير من خلال التعاون مع الرواد المخضرمين والمطلعين ضمن قطاع الأعمال.
لقد قطعت منطقتنا شوطاً طويلاً، وذلك ليس بالإنجاز السهل، ويجب علينا إدراك أهم نقاط قوتنا، المتمثلة بقيادتنا الرشيدة ومواطنينا والشركات التي ساهمت في بناء مجتمعاتنا ودفعت دوماً عجلة التغيير الاقتصادي والاجتماعي. وفي ظل الاتجاهات الاقتصادية العالمية، من الضروري التركيز على نقاط قوتنا وتشجيع التعاون والتفاعل الموجه نحو تحقيق النمو والنتائج التضافرية لكل الأطراف المعنية المشاركة.
إن ريادة الأعمال المحلية والعائلية شكلت محركاً رئيسياً للنمو وساعدت منطقتنا على تنويع اهتماماتها والحفاظ على استقرارها الاقتصادي رغم الظروف العالمية غير المواتية. ولا تزال توجد سبل للتقدم ومجموعة من الفرص غير المستغلة، ولكن إذا حافظت كل الأطراف على تركيزها وعلى ذهنية تعاونية، أثق بأن منطقتنا ستنجح في تمهيد الطريق نحو مستقبل أكثر أماناً وازدهاراً للأجيال المقبلة.