ترامـب آسيـا نسخـة فلبينيـة فـي انتخـابـات دموية

الحدث الاثنين ٠٩/مايو/٢٠١٦ ٢٣:٥٠ م

مانيلا – – وكالات

يبدو بأن موجة جديدة بدأت تصعد في عالم السياسة اليوم ويتجه مدها العاتي نحو السياسيين ذوي الخطاب الشعبوي، ففي الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة أن تتأقلم مع واقع اغتنام دونالد ترامب لترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، تراقب الفلبين، المستعمرة الأمريكية السابقة والحليفة الأمريكية الموثوقة، صعود الظاهرة الشعبوية الخاصة بها، رودريجو دوتيرتي.

ميدانيا قتل 12 شخصا على الأقل بعد ساعات من فتح مراكز الاقتراع أبوابها أمس الاثنين أمام ملايين الناخبين من أجل انتخاب رئيس جديد وعشرات الآلاف من المسؤولين الآخرين، حسبما أعلنت الشرطة. وقالت الشرطة إن من بين القتلى سبعة متطوعين في إحدى الحملات الانتخابية بجنوب العاصمة مانيلا، كما قتل أربعة آخرون في عدة هجمات بالمنطقة الجنوبية من مينداناو التي تعاني من صراعات. وأحرق مجهولون مدرسة خصصت كمركز للاقتراع في مقاطعة لاناو ديل نورتي، بينما هاجم مسلحون في مدينة ماجوينداناو المجاورة مدرسة أخرى وسرقوا 10 آلات لفرز الأصوات قبل فتح مراكز الاقتراع.

«ترامب» آسيوي

أدلى الناخبون الفلبينيون بأصواتهم أمس لانتخاب رئيس جديد للبلاد بعد حملة انتخابات شرسة كشفت عن اشمئزاز شعبي من الطبقة الحاكمة في البلاد لإخفاقها في حل مشاكل الفقر وعدم المساواة على الرغم من النمو الاقتصادي القوي على مدى أعوام.

وأظهرت استطلاعات للرأي في الأيام التي سبقت عملية التصويت صباح أمس الاثنين بالتوقيت المحلي أن رودريجو دوتيرتي- وهو رئيس بلدية محلي أدى اصطدامه الصاخب مع المؤسسة السياسية إلى عقد مقارنات بينه وبين دونالد ترامب- هو المرشح الأقوى بين أربعة منافسين على الرئاسة. وتحولت حملة رئيس البلدية الصاخب التي ركزت على قضية واحدة هي القانون والنظام إلى حالة من القلق بشأن قضايا الفساد والجريمة وإساءة استخدام العقاقير. ولكن شعاراته المحرضة وتبنيه لأعمال القتل خارج نطاق القضاء أثارت تكهنات بأنه سيكون دكتاتورا.

رمز انتخابي

وقال ميجيل سيجوكو وهو كاتب فلبيني يحظى بالاحترام في عمود رأي الأسبوع الفائت «إن رمز الحملة الانتخابية للسيد دوتيرتي هي القبضة- التي تستهدف الخارجين عن القانون.. ولكن يبدو أنها تستهدف أيضا حكم الأقلية.. وهذه الرسالة تتناغم من الفقير المحبط الذي يشعر أن الحكومة خذلته.. ولكن أنصاره ينتمون لكل الطبقات».

وأضاف أن شعار «التغيير قادم» الذي يرفعه دوتيرتي «هو بالضبط الرسالة الصحيحة من رسول خطأ تماما».
وقال مانويل روكساس وهو حفيد رئيس سابق يسانده الرئيس المنتهية ولايته بينيجنو أكينو في مؤتمر صحفي في الآونة الأخيرة إن الانتخابات هي «قوة الديمقراطية في مواجهة قوة الدكتاتورية».
ورغم هذه المخاوف فإن مجموعة أوراسيا لبحوث المخاطر العالمية قالت في تقرير قبيل الانتخابات إنه أيا كان الفائز فإن من المرجح أن تواصل الفلبين النهج المؤيد للتنمية والإصلاح الذي بدأه أكينو.

ضجيج من أجل التغيير

ويزيد عدد الناخبين في البلد الواقع في جنوب شرق آسيا على نصف إجمالي السكان البالغ عددهم مئة مليون نسمة. ومن المفترض أن يتوجه هؤلاء لانتخاب رئيس ونائب للرئيس و300 برلماني ونحو 18 ألف مسؤول في مجال الحكومة المحلي. ويتنافس على هذه المناصب ساسة تقليديون. وسيجد الناخبون بينهم رجال أعمال كبارا وشخصيات تعمل في مجال الترفيه والملاكم العالمي ماني باكياو المرشح لمقعد في مجلس الشيوخ الفلبيني. ويترشح بونجبونج ماركوس الابن- ابن الدكتاتور الراحل فرديناند ماركوس على مقعد نائب الرئيس.

والتهبت مشاعر الحماس يوم الأحد في مدينة دافاو الجنوبية حيث فاز دوتيرتي بمنصب رئيس البلدية سبع مرات منذ العام 1988 متقمصا شخصية رجل الشعب حيث يراه الأهالي قريبا من الفوز بالرئاسة.
وقالت ليزيتا جو وهي سيدة أعمال وأم لطفلين «إنه ضجيج التغيير.. ضجيج يحدثه الناس كي يكون لديهم رئيس أفضل من السياسي التقليدي المعتاد».
ومن المعتاد أن يصعب التكهن بنتيجة انتخابات الفلبين. ولكن أظهر استطلاعان للرأي الأسبوع الفائت أن دوتيرتي يتقدم بفارق 11 نقطة مئوية عن أقرب منافسيه. ويؤيده قطاع من جميع الفئات الاجتماعية الاقتصادية والديمغرافية.
ومن المرجح أن يلقى دوتيرتي منافسة من جريس بو وهي عضو في مجلس الشيوخ ومن راكسوس. ولقي برنامج بو المنحاز للفقراء صداه بين الفلبينيين. فقصة حياتها أن تركها أهلها في كنيسة وهي طفلة رضيعة وتبناها نجوم سينما.
وفي الأسبوع الفائت دعا أكينو المرشحين المتأخرين في استطلاعات الرأي للتوحد لمنع وصول دوتيرتي إلى الرئاسة. ورفضت بو تلك الدعوة بعدما فهمتها على أنها دعوة لها كي تنسحب من السباق. وتفتح مراكز الاقتراع أبوابها في السادسة صباحا (2200 بتوقيت جرينتش يوم الأحد) ويستمر الاقتراع 11 ساعة. وقال رئيس لجنة الانتخابات إن النتائج يمكن معرفتها خلال 24 ساعة لكنها قد تستغرق مدة تصل إلى ثلاثة أيام.

راكب الدراجات النارية

يمتلك دوتيرتي، هاوي ركوب الدراجات النارية والعمدة الذي يطلق النكات والتهكمات حول حوادث الاغتصاب، أفضل الحظوظ لتسلم منصب رئاسة جمهورية الفليبين مع اقتراب موعد الانتخابات يوم الاثنين المقبل، حيث يتصدر السباق الرئاسي بفارق كبير، ولكن ليس مؤكدًا بعد، متفوقًا على حزمة منافسيه رغم تمتعهم باتصالات قوية مع النخبة السياسية ونخبة المال والأعمال في البلاد.

ركزت الانتخابات الحالية على القضايا المحلية كالجريمة، الفساد، الفقر، وبنية النقل التحتية، وستضع نتيجة هذه الانتخابات سنوات من المكاسب الاقتصادية المتينة التي تحققت في عهد الرئيس الحالي، بنينو أكينو الثالث، على المحك.
ولكن قيام الصين بالتأكيد على مطالبها في بحر الصين الجنوبي، وزيادة القوات الأمريكية لوجودها على الأراضي الفلبينية، جعلت مسألة الرئاسة الفلبينية تتعلق بالسياسة الخارجية بشكل متزايد، ومن هذا المنطلق، فإن التصويت لرئيس الجمهورية في الفليبين سيحوز آثارًا وتداعيات عالمية، ولهذا شغل صعود دوتيرتي أحاديث العالم.
من السهل علينا أن نرسم وجه التشابه ما بين دوتيرتي وترامب؛ فكلاهما يطلقان حديثًا سياسيًا غريبًا عن النسق العام، يتمتعان بميل للحديث بشراسة وهجومية، ويختارن منعطفات مروعة لتعبيراتهما، كما يتشاطران إطلاقهما لتعليقات كارهة للنساء، وكلاهما يتمتعان بشعبية كبيرة، تبدو، إلى حد ما، غير متوقعة.
يفسّر لنا اللقب الذي أطلق على دوتيرتي، «ترامب الشرق»، بعض المواقف الأكثر إثارة للدهشة التي أطلقها؛ فهو يدعم علنًا فرق الموت (المجموعات المسلحة التي تجري عمليات القتل خارج نطاق القضاء والقانون)، تمامًا كما يدعم ترامب أساليب التعذيب، ومنها أسلوب محاكاة الغرق، وهو الأمر الذي لا يساعد حقًا على شرح سبب الشعبية العارمة التي يتمتع بها كلاهما.
بالنسبة للكثير من الفلبينيين، يعد دوتيرتي مرشح التغيير؛ فالسياسة في الفليبين كانت وما زالت منذ فترة طويلة شأنًا أسريًا، حيث تسيطر عشائر القلة الأوليغارشية على الحياة العامة، وعلى الأعمال الخاصة أيضًا في كثير من الأحيان؛ فالرئيس الحالي، أكينو، هو نجل الرئيس السابق، وخليفته الذي اختاره بنفسه، مانويل روكساس الثاني، هو حفيد رئيس سابق أيضًا، وأحد المرشحين لمنصب نائب الرئيس، فرديناند ماركوس الابن، هو نجل ديكتاتور البلاد السابق.
ومن المعروف أيضًا على النطاق المحلي في الفليبين بأن غريس بو هي أكبر منافس لدوتيرتي، وهي ابنة بالتبني لأحد أشهر نجوم السينما وأكثرهم شعبية في البلاد، وقبل أن تصبح أحد أعضاء مجلس الشيوخ في العام 2013، عاشت لعدة سنوات في الولايات المتحدة. بالمقابل، ينحدر دوتيرتي من جنوب البلاد الأقل حظًا في النمو، حيث قضى أكثر من عقدين من الزمان وهو يحكم مدينة دافاو في مينداناو، وتشير التقارير بأنه كان يقوم بدوريات في شوارع المدينة ممتطيًا دراجته النارية من نوع هارلي ديفيدسون في محاولة لوقف الجريمة، وعندما زار مراسل التايم «المُعاقِب»، وهو اللقب المحلي لدوتيرتي، في العام 2002، كان الأخير يشرب البراندي ويمتشق مسدس من عيار 0.38 على حزامه.
لهذه الأسباب يرى مناصروه بأنه مختلف عن باقي المرشحين؛ فكما يقول جوشوا كورلانتزيك، وهو زميل بارز لجنوب شرق آسيا في مجلس العلاقات الخارجية: «هناك عداء مستحكم ما بين ناخبي الطبقة الوسطى والطبقة المتوسطة الدنيا تجاه هيمنة النخبة السياسة والاقتصادية، على الرغم من النمو القوي تحت حكم أكينو».