ينبغي للأسواق الناشئة أن تختار الذهب

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٩/مايو/٢٠١٦ ٢٣:٣٦ م
ينبغي للأسواق الناشئة أن تختار الذهب

كينيث روجوف
كمبريدج ــ تُرى هل تُفرِط البنوك المركزية في الأسواق الناشئة في الاهتمام بالدولار في حين تقصر في الاهتمام بالذهب؟ نظرا لتباطؤ الاقتصاد العالمي، حيث ربما تشعر الأسواق الناشئة بالامتنان الشديد إزاء أي احتياطيات قد تتمكن من الاحتفاظ بها، فقد يبدو هذا السؤال سيئ التوقيت. ولكن هناك حجة قوية مفادها أن التحول في الأسواق الناشئة نحو تكديس الذهب من شأنه أن يساعد النظام المالي الدولي على العمل بشكل أكثر سلاسة وتحقيق الفائدة للجميع.كي أكون واضحا، أنا لا أقف في جانب أولئك الذين يفضلون العودة إلى معيار الذهب ــ وهم عادة من الأميركيين المختلين من اليمين المتطرف ــ حيث تعدل الدول قيمة عملاتها وفقا للذهب. فقد انتهى آخر عهد لمعيار الذهب بشكل مأساوي في ثلاثينيات القرن العشرين، وليس هناك من الأسباب ما قد يجعلنا نعتقد أن العودة إليه قد تكون مختلفة.
كلا، كل ما في الأمر أنني أقترح على الأسواق الناشئة أن تحول حصة كبيرة من تريليونات الدولارات من احتياطيات العملة الأجنبية التي تحتفظ بها الآن (الصين وحدها تبلغ احتياطياتها الرسمية 3.3 تريليون دولار) إلى ذهب. وحتى تحويل نحو 10% على سبيل المثال من احتياطياتها إلى ذهب لن يقربها من العديد من الدول الغنية التي تحتفظ بنحو 60% إلى 70% من احتياطياتها الرسمية (الأصغر بكل تأكيد) بالذهب.
كانت الدول الغنية تزعم لبعض الوقت أن إبطال القيمة النقدية للذهب كعملة يصب في مصلحة الجميع. وتقول هذه البلدان إنها تمتلك الكثير من الذهب، ولكن هذا من بقايا معيار الذهب من فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، عندما كانت البنوك المركزية في احتياج إلى مخزونات.
الواقع أن البنك المركزي الأوروبي، عندما رأى أنه لا يوجد سبب يدفعه إلى الاحتفاظ بقدر كبير من الذهب، دخل عام 1999 في اتفاق يقضي بالبدء في خفض المخزون لديه من الذهب بطريقة منظمة. وكان البيع منطقيا في ذلك الحين بالنسبة لأغلب الدول المشاركة: وكان الدعم الحقيقي لديونها متمثلا في قدرة حكوماتها على تحصيل الضرائب، والمستويات العالية من التنمية المؤسسية، فضلا عن الاستقرار السياسي النسبي. وكان البنك المركزي الأوروبي يعيد تفعيل اتفاق 1999 دوريا، وإن كانت أغلب الدول الغنية توقفت عن هذا لفترة طويلة منذ النسخة الأخيرة في عام 2014، وهو ما يجعل الاحتياطيات لديها من الذهب مرتفعة للغاية.
ظلت الأسواق الناشئة مشترية للذهب، ولكن بوتيرة بطيئة مقارنة بشهيتها النهمة لسندات الخزانة الأميركية وغيرها من ديون الدول الغنية. واعتبارا من مارس/آذار 2016، كانت الصين تحتفظ بما يزيد قليلا على 2% من احتياطياتها بالذهب، وكانت الحصة في الهند 5%. والواقع أن روسيا هي السوق الناشئة الكبرى الوحيدة التي زادت من مشترياتها من الذهب بشكل كبير حقا، وهو ما يرجع إلى حد كبير إلى العقوبات الغربية، وقد بلغ مخزونها من الذهب الآن نحو 15% من احتياطياتها.
تحتفظ الأسواق الناشئة باحتياطيات لأنها لا تملك ترف التمكن من استغلال التضخم للخروج من أزمة مالية أو أزمة ديون حكومية. والأمر ببساطة أنها تعيش في عالَم حيث لا يزال قسم كبير من الديون الدولية ــ بل وحتى حصة أكبر من التجارة العالمية ــ مقوما بالعملة الصعبة. وهي لهذا السبب تحتفظ باحتياطيات من هذه العملات على سبيل الوقاية من الكوارث الضريبية والمالية. صحيح من حيث المبدأ أن العالم قد يكون مكانا أفضل كثيرا إذا تمكنت الأسواق الناشئة على نحو أو آخر من تجميع مواردها، ربما من خلال مرفق صندوق النقد الدولي؛ ولكن الثقة المطلوبة لإتمام مثل هذا الترتيب بنجاح غير متوفرة حتى الآن ببساطة.
ولكن لماذا قد يعمل النظام بشكل أفضل في ظل حصة أكبر من الاحتياطي من الذهب؟ المشكلة في الوضع الراهن هي أن الأسواق الناشئة كمجموعة تتنافس على شراء سندات الدول الغنية، وهو ما يساعد في دفع أسعار الفائدة التي تحصل عليها إلى الانخفاض. ولأن أسعار الفائدة تظل عالِقة عند مستوى أقرب إلى الصِفر، فمن غير الممكن أن تهبط أسعار سندات الدول الغنية إلى مستويات أدنى من تلك التي انخفضت إليها بالفعل، في حين تعمل القدرة الضريبية وتحمل المخاطر على تقييد المعروض من ديون الدول المتقدمة.
ورغم أن المعروض من الذهب يكاد يكون ثابتا، فإنه لا يواجه هذه المشكلة، لأنه لا يوجد حد لسعره. وعلاوة على ذلك، قد يسوق البعض حجة مفادها أن الذهب أصل منخفض المخاطر للغاية ومتوسط عائداته الحقيقية مماثل للديون ذات الأجل القصير. ولأن الذهب أصل شديد السيولة ــ وهو المعيار الأساسي لأي أصل احتياطي ــ فإن هذا من شأنه أن يمكن البنوك المركزية من تحمل ترف النظر إلى ما هو أبعد من تقلباته القصيرة الأجل والاستفادة من متوسط عائداته الأطول أجلا.
صحيح أن الذهب لا يدر فوائد، هذا فضلا عن التكاليف المرتبطة بتخزينه، ولكن هذه التكاليف يمكن إدارتها بكفاءة نسبيا من خلال الاحتفاظ بالذهب في الخارج إذا لزم الأمر (تحتفظ دول عديدة بالذهب لدى الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك)؛ وبمرور الوقت قد ترتفع الأسعار. ومن غير الممكن لهذا السبب أن ينفد المخزون من الذهب النقدي لدى النظام ككل.
لا أريد أن اعطاء انطباع بأن التحول إلى الذهب من شأنه أن يسمح للأسواق الناشئة بطريقة أو أخرى بالاستفادة على حساب الاقتصادات المتقدمة. ذلك أن البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة تحتفظ في الوضع الراهن بمخزونات من الذهب أكبر كثيرا من تلك التي تحتفظ بها الأسواق الناشئة، والتحول المنهجي من قِبَل الأسواق الناشئة من شأنه أن يرفع أسعار الذهب. ولكن هذه ليست مشكلة جهازية شاملة؛ والواقع أن ارتفاع أسعار الذهب من شأنه أن يغلق جزءا من الفجوة بين العرض والطلب على الأصول الآمنة والتي نشأت بسبب حد الصِفر الأدنى على أسعار الفائدة.
لم يكن هناك قَط أي سبب مقنع قد يحمل الأسواق الناشئة على تصديق الحجج التي تسوقها الدول الغنية لصالح إبطال القيمة النقدية للذهب كعملة. ولا يوجد أي سبب مقنع الآن.
كينيث روجوف كبير خبراء الاقتصاد الأسبق لدى صندوق النقد الدولي، وأستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد.