بقلم:محمد بن محفوظ العارضي
واجهت الشركات الصغيرة والمتوسطة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي تأثيراً واضحاً بسبب التداعيات الناجمة عن جائحة كوفيد-19 وما تلاها من تراجع اقتصادي، ولا يوجد وقت أفضل من الآن لتمكين رواد الأعمال من قيادة مؤسساتهم نحو النجاح، خصوصاً في سياق أهداف الحياد المناخي والمستهدفات الاجتماعية والاقتصادية الوطنية العامة. حيث سيدعم امتلاك اقتصاد شامل بكل معنى الكلمة نمو المؤسسات الصغيرة ويمكّنها من تقديم مساهمات قيّمة.
وبحسب تقرير نشره صندوق النقد الدولي في ديسمبر 2019 بعنوان «الارتقاء بدور الشركات الصغيرة والمتوسطة في العالم العربي - اعتبارات رئيسية»، شكّلت الشركات الصغيرة والمتوسطة في دول الخليج العربي آنذاك ما بين 15 و30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الوطني لكل دولة، أي أقل من المعدل العالمي البالغ 40 المئة في الاقتصادات الناشئة.
بعد تلك الفترة، أصبحت الشركات الصغيرة من أوائل الأطراف التي واجهت الآثار الضارة للتحديات الناشئة عن الجائحة وعمليات الإغلاق العام اللاحقة. ورغم تحقيقنا كمنطقة للعديد من المنجزات في سبيل إعادة تغذية اقتصاداتنا، توجد حاجة ماسة لتمكين أصحاب الشركات الصغيرة من بلوغ أقصى إمكاناتهم ليس من حيث الإنتاج فحسب، إنما لدعم دولنا على التمتع باستدامة أعلى.
لقد أطلقت الحكومات في كافة أرجاء المنطقة سلسلة من مبادرات الاستدامة وأحرزت تقدماً ملحوظاً، خصوصاً في مجال الطاقة المتجددة، لكن تشكّل المساهمة المشتركة للمؤسسات الكبرى والشركات الصغيرة والمتوسطة عاملاً بالغ الأهمية للتقدم.
نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقريراً في نوفمبر 2021 بعنوان «لن يتحقق الحياد المناخي دون الشركات الصغيرة والمتوسطة»، وشددت فيه على أهمية دور الشركات الصغيرة كمحركة للتغيير الاجتماعي والاقتصادي، وتأثيرها على البصمة الكربونية، إلى جانب التحديات التي تواجهها بسبب التدهور البيئي.
كما أشار التقرير إلى كيفية قيادة الشركات الصغيرة والمتوسطة من جانب رواد أعمال مبتكرين ومستشرفين للمستقبل من حيث مقاربتهم العامة للأعمال، مما يعني امتلاكهم إمكانات هائلة لإحداث تأثير في مجال الاستدامة.
نظراً لتاريخ ريادة الأعمال الطويل في منطقة الخليج، ليس من المستغرب تمتعنا بثروة من الأفكار المبتكرة التي يمكنها تحقيق الأرباح، ومع تحسن البنية التحتية للأعمال باستمرار، يوجد مجال كبير لمزيد من الاستراتيجيات التعاونية ضمن القطاع الخاص، والتي يمكنها إشراك أصحاب الشركات الصغيرة الراسخين والطامحين وإعدادهم للنجاح في السنوات المقبلة.
يمكن لمؤسسات القطاع الخاص الأكبر حجماً التفاعل مع الشركات الصغيرة والمتوسطة في مبادرات لمراعاة البيئة على مستوى القطاع ككل، بدءاً من تقليص الانبعاثات الكربونية في عملياتها القائمة حالياً، وصولاً إلى رعاية الأفكار الجديدة التي يمكنها خلق روافد دخل جديدة ودعم أهداف الحفاظ على البيئة.
كما يمكن للشراكات الإستراتيجية بين الشركات الكبرى والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة إنشاء التضافر فيما بينها ثم المساهمة في النمو على مستوى القطاعات ككل مع التوجه نحو تحقيق الأهداف المناخية.
يوجد أيضاً مجال للتعاون بين الحكومات بصورة أوثق مع أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال الطموحين، وذك نظراً لامتلاك القدرة على دعمهم في مراعاة شركاتهم الحالية للبيئة وتطوير حلول مبتكرة للحفاظ على المناخ.ويعد التمويل مجال اهتمام رئيسي لأصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة، لذا تعد الفترة الراهنة وقتاً مناسباً للغاية للمؤسسات المالية في المنطقة للتعاون معهم على تطوير نماذج تمويل مرنة تدعمهم خلال مراحل مختلفة من النمو المؤسسي.ويشكّل الشباب أعظم أصولنا في منطقة مجلس التعاون الخليجي، ويتنامى مستوى تعليم تلك الشريحة من السكان وقدراتها القيادية، لكن توجد فجوة يجب سدها بين أصحاب العمل والخريجين في القطاع الخاص. على الصعيد العالمي، أدت العقول الشابة دوراً فعالاً في دفع الحركة لمكافحة تحديات التغير المناخي ويجب ألا تعد منطقتنا استثناءً لذلك التوجه، خصوصاً بصفتها موطناً للشباب اللامعين والمؤهلين.
تتمثل إحدى سبل سد تلك الفجوة في عمل الشركات الصغيرة بنشاط على خلق فرص العمل التي تضع أهداف مراعاة البيئة في الاعتبار، إذ يمكنها الاستفادة من المواهب الشابة الجديدة عبر برامج التدريب المهني التي تركز على مراعاة البيئة والابتكار.
كما يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة العمل مع المؤسسات التعليمية للتفاعل مع الطلبة وتشجيع اهتمامهم المبكر والمستمر بالاستدامة في سياق أسلوب حياتهم وأعمالهم.
وبينما تشجعنا الجهود الجبارة الجارية في كل أنحاء منطقة مجلس التعاون الخليجي في مجال الاستدامة، فإننا لا نزال نحتاج إلى الكثير لتخفيض الانبعاثات وتحقيق الحياد المناخي. وع أننا ما زلنا نتعامل مع تداعيات التراجع الاقتصادي، لكن المنطقة عادت بقوة، مع استمرار تركيز القطاعين العام والخاص على التعافي.
ويتطلب التعقيد المتصاعد للعالم الحديث مقاربات متعددة الأوجه للشمول الاقتصادي والنمو اللاحق. حيث تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بعدة نقاط قوة، تشمل الحكومات المتفانية ورواد الأعمال المبتكرين والعقول الشابة اللامعة التي يمكنها قيادة المنطقة نحو مستقبل مستدام.
إن التعاون الاستباقي، والتركيز على مراعاة الشركات للبيئة، وتطوير حلول مبتكرة مع تعزيز الشركات الصغيرة، سيمهد الطريق نحو الأمن المناخي، وفي النهاية، نحو تقليص الانبعاثات وتحقيق الحياد المناخي.