«كواهيري» بر الزنج

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٩/مايو/٢٠١٦ ٠١:١٤ ص
«كواهيري» بر الزنج

محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby

في كل زاوية نجد حكاية من الزمن العُماني السائر بافتخار على تلك البقعة الخضراء خلف امتداد زرقة البحر. الحارة هنا بها سكنى القبيلة الفلانية، وهذه بها قبيلة أخرى، هكذا تضع الخطوات آثارها، عمانيون في زنجبار، أو تنزانيون من أصول عربية عُمانية، وهناك من لا يحمل وثيقة حاسمة على أنه من هنا أو من هناك، أو ارتحل من هنا أجداده، وعاشوا في الـ «هناك»، بعد ثلاثة أجيال بدأوا يستعيدون كتابة القبيلة بعد طمس دام عقوداً، استعادوا بها هويتهم القديمة، مهما بدت الأحقاب تتنصل زارعة الأحقاد ضد ما هو عربي.. بخاصة إن كان عمانياً.

قال محدثنا إن الحكومة العمانية لا تريد الإعلان عمّا تقدمه من مساعدات، رسمية أو خارج النطاق الرسمي، هكذا هي ثقافة العطاء، لكن رأيت من الضروري أن نكسب القلوب، ونكنس ما يتعالق بها من شوائب تلقى فيها لأسباب عدة، وما يتعلق بأرواحهم من إحساس بالضيم تعاقب على تضخيمه أصحاب مصالح، تتقاطع على هذا المكان.

مسجد كبير ينتظر افتتاحه، بني بأوامر سامية، عشرات المشاريع، مساجد، مدارس، آبار، وغيرها مما يمكن أن يعكس عطاء الأيادي العمانية البيضاء التي حينما تزرع غرساً فإنها لا تحب المنّ، وفاءً لأولئك الذين بقوا مخلصين لسيرة كتبها التاريخ العُماني على أرض تلك الجزيرة وما قاربها، وللأرض التي آوتهم وآمنتهم، وما جرى في عام 1964 حدث عظيم كان فارقاً في مشهد، هو بالضرورة دوران أفلاك.. وسير الزمان على الحضارات والامبراطوريات، لا مناص عنه، ولا مهرب.
في الحارات نلمح ملامحنا، حياة ما عبرتنا، وتعبرهم على مهل، نراها في البيوت الطينية القديمة، وفي المساجد الصغيرة والبسيطة، وفي المنازل التي لا تصلها الكهرباء ولا المياه إلا بصعوبة بالغة، في الأقدام الحافية للصغار وهم يتخذون الساحات والشوارع لعباً أو سيراً نحو مدارس بعيدة، نراها في حبات الطماطم الثلاث يعرضها باعة فقراء، ويشتريها فقير لا يروم أكثر من قوت يومه، نراها في حلقات دروس القرآن الكريم في غرف صغيرة يتكدسون فيها يغالبون رطوبة الطقس والأمطار المستمرة التي تبلل المصاحف والملابس حيث البناء ليس أكثر من تعبير معنوي لكلمة مدرسة.
سرت في سوق “درجاني” مزحوماً بالبشر والأسئلة، خيرات الأرض مفروشة أمام الباعة بما يدل على قدرة هذه البقعة الخصيبة على تحقيق معدلات عالية من الدخل، إنما الفقر في التفكير يجعل الفقر الاقتصادي مدقعاً.
كل ذلك الجمال الطبيعي لا يعني فقيراً لا يجد قوت يومه، لا يشفع لطالب علم يسير عدة كيلومترات من أجل مدرسة لا تحميه من مطر ولا تحقق له مستقبلاً يريده مثمراً كما تثمر كل هذه الأشجار من حوله.
سبعة أيام أمضيتها في زنجبار، بر الزنج، كما يقال، أو البر الخالي من البشر كما فسّره أحدهم، قبل أن يأتي العرب إليه ويحولوه إلى بقعة اقتصادية هائلة العائد، فغدت زنجبار أرض القرنفل، لكن ماذا يرشح من تلك الثروات إلى أولئك البسطاء الذين لا يفكرون أكثر من قوت يومهم.
قلت “كواهيري”.. وداعاً لتلك البلاد، أعطتني من الأسئلة أكثر مما أستطيع من تحديد اتجاهات أجوبة.