بقلم : محمد بن محفوظ العارضي
بينما نقترب من نهاية العام 2022، من المفيد أن نتأمل الجهود والأحداث التي شهدناها خلاله. إذ إنها تعتبر محفزات لإبقاء المنطقة على المسار الصحيح، وطرح الأفكار والتخطيط للمراحل القادمة حتى تتمكن المنطقة من مواصلة السير في منحنى تصاعدي وكي تتمكن الدول من مواصلة العمل نحو رؤى طويلة الأجل بينما تتكيف مع المناخ السياسي والتجاري العالمي.
ونظرًا للحدّ الكبير من تداعيات جائحة كوفيد-19 وارتفاع أسعار النفط، إلى جانب الجهود المبذولة منذ عقود من أجل التنويع الاقتصادي، فمن المتوقع أن تحقق اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي في المتوسط نموًا بنسبة 6.9٪ في العام الجاري 2022 وفقًا للبنك الدولي. وقد ساعد هذا بلا شك على غرس الثقة في الأفراد والشركات في منطقة الخليج، كما جذب اهتمام المستثمرين من جميع أنحاء العالم.
وشهد العام الماضي ارتفاعًا في أعداد المسافرين العالميين بعد رفع القيود ما بعد الجائحة، مما ساعد على إعادة تنشيط السياحة. فوفقًا لمنظمة السفر العالمية التابعة للأمم المتحدة، شهد الربع الأول من عام 2022 وحده نموًا بنسبة 182٪ في عدد القادمين إلى مطارات دول مجلس التعاون الخليجي مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2021، حيث ازداد العدد من 41 مليونًا إلى 117 مليونًا.
وفي الآونة الأخيرة، استضافت قطر بطولة كأس العالم لكرة القدم، والتي يمكن القول إنها الحدث الرياضي والترفيهي الأكثر شهرة في العالم. وبينما اجتذبت البطولة أكثر من مليون مشجع لحضور المباريات، تمكّن عشاق الرياضة في جميع أنحاء العالم كذلك من رؤية منطقة الخليج من منظور جديد، حيث عرضت حسن الضيافة والروح الرياضية والريادية العربية قبل البطولة وأثناء انعقادها.
وكان من المثير أن نرى أربع دول عربية، السعودية وقطر والمغرب وتونس، وهي تشارك في البطولة، وقد استمتع عشاق الرياضة في أنحاء العالم بتشجيع المنتخب المغربي بشكل خاص، والذي لعب مباريات رائعة ليصبح أول بلد عربي وأفريقي يصل إلى الدور نصف النهائي. إذ إن رحلة هذا المنتخب خلال البطولة وحّدت العرب والأفارقة والمشجعين من مختلف الدول ضمن حالة من الترابط المنشود ساعدت على رفع الروح المعنوية وتجديد الاهتمام بالرياضة والترفيه.
إن مسيرة المغرب الناجحة التي حطمت الأرقام القياسية هي دليل على ما يتمتع به العرب من موهبة طبيعية وشغف كبير تجاه الرياضة، ويجب أن تكون مصدر إلهام للمنتخبات الأخرى في المنطقة للعمل من أجل التأهل لبطولة كأس العالم المقبلة.
علاوة على ذلك، ساهمت البطولة في زيادة أعداد المسافرين إلى الدول المجاورة، وبالتالي استفادت المنطقة بأكملها من زيادة تدفق السياح وفرصة التواصل معهم. على سبيل المثال، سجلت سلطنة عمان زيادة كبيرة بنسبة 93 في المائة في حجوزات السفر لشهري نوفمبر وديسمبر.
ولطالما كنت من أشد المؤمنين بالإمكانيات اللامحدودة لدول الخليج في مجالات السياحة العالمية والإقليمية. فقد نمت الصناعات السياحية في المنطقة نموًا كبيرًا على مدى العقود القليلة الماضية وكانت من المحركات الرئيسية للتنويع والنمو الاقتصادي. ولا شك في أنها عانت من تداعيات جائحة كوفيد-19، ولكن الوقت الآن مناسب لتوجيه المزيد من الموارد ومساعدة القطاعات على بلوغ أقصى إمكاناتها في السنوات القادمة.
وفي حين أن الانتعاش الجماعي الذي شهدناه في هذا العام الماضي قد غرس الشعور بالثقة والأمل بعد فترة صعبة، يجب علينا المضي قدمًا بحذر. فمن المتوقع حدوث تباطؤ عالمي في العام 2023، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون أبطأ عامٍ لنموّ الناتج المحلي الإجمالي في جميع أنحاء العالم منذ العام 2009 باستثناء العام 2020.
وتعتبر النظرة المستقبلية لدول مجلس التعاون الخليجي أفضل بالمقارنة مع معظم الدول الأخرى، ويرجع ذلك في الأساس إلى عائدات النفط وانخفاض التضخم، لكنني أرى أيضًا أنه تذكير بضرورة توجيه المزيد من الموارد إلى القطاعات غير النفطية، وخاصة الصناعات التي تركز على الخدمات مثل السياحة والتكنولوجيا، حيث لا يزال هناك مجال كبير للابتكار والتوسع.
كما ستسهم الاستثمارات في القطاعات غير النفطية بدعم الأهداف المتعلقة بالتغير المناخي. فقد تم إحراز تقدم كبير في مجال الطاقة المتجددة، ولكن لا يزال من الواجب فعل المزيد من أجل تقليل انبعاثات الكربون وتعزيز استخدامات الطاقة النظيفة والخضراء في منطقتنا.
ولا شك في أننا نواجه سلسلة معقدة من العقبات في الوقت الراهن. لكن من الواضح أن منطقتنا تتمتع بوضع أفضل من أي وقت مضى، كمجتمعات وطنية وعابرة للحدود، لمواجهة التحديات ومعالجتها معًا بدعم من شبكاتنا التي تضم أفرادًا متعددي المواهب وملتزمين بتحقيق هدف مشترك للنمو المستدام وطويل الأجل.
لقد تجاوزنا معًا تغيرات مفاجئة وغير متوقعة بدعم قياداتنا الحكيمة ومجتمعاتنا. وهذه هي الركائز التي ستصون بلداننا خلال المراحل القادمة وستظل دائمًا محركات رئيسية للنمو والنجاح في المنطقة.