بقلم : محمد محمود عثمان
أصبحت فرص العمل في خبر كان ، بعد أوصدت الحكومات والقطاع العام الأبواب وأصبح القطاع الخاص عاجزا عن خلق الفرص الجديدة، بعد الخسائر التي انهكته ، والإفلاسات والإغلاقات التي دمرته ،و تأثر شركاته ومؤسساته كبيرها قبل صغيرها بالأزمات العالمية ، وانعكست على كل مناحي الحياة ، في ظل غياب الدور الفاعل لغرف التجارة والصناعة ، في دعم شركات القطاع الخاص أو المحافظة على استمراريها ،ولو بأقل الخسائر ،أو حمايتها من تغول القرارت الحكومية التي لا تراع متطلبات القطاع الخاص واحتياجاته ، في مواجهة أنواع الضرائب والرسوم على الخدمات التي تضاعف بعضها في فترات سابقة إلى أكثر من 300%، وكذلك عجز نقابات العمال عن حماية حقوق العمال المسرحين ، بعد أن أفرزت جائحة كورونا في بداية 2020فئة كبيرة من المسرحين من الشركات ، وتسببت في تفاقم مشكلة البطالة نتيجة فشل القطاع الخاص في توفير وظائف جديدة ، أو حتى المحافظة على مالديه من عمال ،وأضافت عبئا جديدا على الحكومات التي تعاني وتئن في الأساس من مشكلة الباحثين عن العمل والداخلين الجدد وبعشوائية لأسواق العمل بأعداد كبيرة سنويا ، وبدون تخطيط أو رُؤية تستشرف الاحتياجات الكمية والنوعية للأسواق من المهارات والتخصصات والكوادر المؤهلة ، حيث يفتقد الجميع القدرة على الوصول إلى الإحصائيات التي توضح الاحتياجات الفعلية الآنية والمستقبلية في الوظائف والمهن الضرورية ،التي يمكن أن تدفع بالاقتصاد إلى الأمام ،وأن تنتشله من كبوة الركود والكساد التي نتجت عن السياسات العقيمة ، في مواجهة ضغوط الأزمات الاقتصادية المتتالية وآخرها الحرب في أوكرانيا ، التي يستثمرها البعض في جعلها الشماعة لمسلسل العجزالإداري في استيعاب الخريجين الجدد واقتحام ملف المسرحين والعاطلين والباحثين عن عمل ، الذي يتفاقم سنويا ويمثل تهديدا للأمن المجتمعي،اقتصاديا ونفسيا على المدى البعيد ،
بعد إصابة النشاط الاقتصادي العالمي بالتباطؤ الذي فاقت حدته التوقعات، مع تجاوز معدلات التضخم مستوياتها في العقود السابقة. وأصبحت المجتمعات تنوء بأعباء ثقيلة من جراء ارتفاع الأسعار ،و أزمة تكلفة المعيشة التي يتضرر منها الجميع، ومن الخطورة أن نظل ننسى أو نتناسى الخوض في هذا الملف المجهول العواقب ، غير مبالين بالأضرار والنتائج السلبية التى تُكرس اليأس والاحباط في الأسر والأفراد ومستقبل المجتمعات ، وتحول مشاكل العاطلين أو المتعطلين إلى قنابل موقوته ، ما يقود الشباب إلى الضياع الحقيقي بعد أن نفقد الاستفادة من الطاقات الشبابية في بناء الأوطان وتقدمها ونهضتها، وتحولهم إلى معاول للهدم لا للبناء ، مع حدوث التراجع الكبير في سوق العمل العالمي،
لأننا أمام معادلة اقتصادية صعبة ، متعددة الأطراف ، تبدأ من غياب التخطيط حول مخرجات التعليم واحتياجات المجتمع ، وحجم الانفاقات في الميزانيات العامة على أنواع من التعليم التي لا تلبي متطلبات المجتمع أو تٌشبع حاجات المتعلمين ،لأن الفاقد كبير في الجهد والوقت والمال ، ويؤثر على الاقتصاد الكلي وعلى الكفاءة الإنتاجية وقتل طموحات الشباب وأمنياتهم ،حيث يقضي الشاب في التعليم من 20 إلى 25 عاما وهو طاقة مهدرة ، بعد أن تحملت الأسر نفقات التعليم طوال هذه السنوات ،ثم يجلس منتظرا فرصة العمل الحكومي أكثر من 10 سنوات وقد لا يحصل على مبتغاه في العمل والزواج وتكوين الأسرة ،وهذا ما يغيب عن صناع القرار قبل أن يتحول الشباب الباحث عن عمل والذي أصبح متعطلا بدون إرادته إلى طاقات سلبية ،وقد نشهد زيادة العنف والجرائم والسرقات ، أو فقد الانتماء الوطني ، وهي جرائم غريبة وجديدة على مجتمعاتنا الآمنة المستقرة ، والذي يُفاقم من ذلك حالة عدم اليقين وتدهور التوقعات حول فرص التوظيف القادمة، نتيجة التباطؤ في النمو الاقتصادي وتراجع الطلب الكلي في كل القطاعات الاقتصادية ، ومن ثم انخفاض الطلب على العمال ، وعبثية المعالجات الخاطئة التي ترفع شعارات إعادة تعيين المسرحين في شركات القطاع الخاص الأخرى ، التي قد بادرت هي أيضا بتسريح عمالها !،وأصبحت تمثل إضافة إلى مشاكل الباحثين عن عمل والداخلين الجدد للأسواق ، وفي طرف آخر من المعادلة إننا ندق نواقيس الخطر ، ولابد من تطوير الأفكار والثقافات ، عبر وسائل الإعلام والدراما والفنون الهادفة ،لنصل إلى قناعات لدى الأسر والأفراد بالإنخراط في المشروعات الشخصية الصغيرة أو متناهية الصغر، وتكريس ثقافة العمل الحر ، وتقديم التمويلات السهلة والمرنة التي تناسب إمكانيات الشباب وتشجعهم على توجيه طاقاتهم لخدمة المجتمع ، وتضمن استدامتها ،وتحقيق ذاتهم والاعتماد على أنفسهم ، والأخذ بيدهم وانتشالهم من الغرق ووضعهم على الطريق الصحيح ، ونحمى المجتمعات من آفات الفراغ واليأس قبل فوات الأوان ، وحتى تعود الاقتصادات للتعافي من جديد .