بقلم: محمد محمود عثمان
تحتاج الاقتصادات إلى الاستثمارات المحلية والأجنبية حتى تستقر وتنمو، ولكن هذه الاستقرار في حاجة إلى ضوابط عديدة أهمها الحرص على عدم تسرب الخوف إلى المستثمرين في أي لحظة،لأنه من أخطرالمعوقات التي تواجه الاستثمارات في أي مكان وزمان، لأن المستثمرالخائف يظل مترددا في اتخاذ قراره الاستثماري، حتى يشعر بالأمان والاطمئنان،قبل أن يغامر بضخ رأس المال، وأول المخاوف بعد المخاوف الأمنية او عدم الاستقرار السياسي، هو هروب المستثمر المحلي إلى أسواق أخرى تتمتع بالبيئة الاستثمارية المستقر، وتوفر البنية الآساسية واللوجستية والارتباط مع منافذ التسويق و التصدير والاستيراد في الأسواق العالمية،ثم المخاوف من وجود درجات التصنيف الائتماني المُسيسة أوالمُغرضة التي تُضلل المراقبين،وضعف الرقابة البرلمانية، و قصور سلطة أسواق المال، ومدى قدرة الصحافة والاعلام على مناقشة ومراقبة ومتابعة الأداء والتقاريرالاقتصادية وإلقاء الضوءعلى الشركات المتعثرة أو الخاسرة،وكشف حالات الفساد المالي والإداري بشفافية وموضوعية، وتناولها بالنقد والتحليل والتمحيص،
وكذلك التخوف من عدم وجود أدوار فاعلة أو مؤثرة لغرف التجارة والصناعة للحفاظ على مصالح المستثمرين في القطاع الخاص، وضمان آليات تسوية منازعات الاستثمارللفصل في المنازعات التجارية، أو من خلال التحكيم لمواجهة تحديات ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار وإغلاق الشركات، لأن الخوف يعطي مؤشرات سلبية تنبه المستثمر الأجنبي إلى وجود خلل في منظومة الاستثمار، سواء في القوانين والتشريعات وإجراءات الإفراج الجمركي عن الواردات والصادرات، أم في عدم تثيبتها لسنوات طويلة،وإقرار جمارك وضرائب ورسوم جديدة أو فرضها على المستثمر الأجنبي فقط،
لأن المستثمر يطلق مشروعه حسب دراسات الجدوى المحددة التي تضمن له الربح و زيادة رأس المال خلال عدد من السنوات، لكن القرارات المفاجئة أو العشوائية قد تربك هذا المسار، وتجعل السوق منفرة وطاردة للاستثمار الأجنبي،
ولا نغفل وجود ترسانة الإجراءات البيروقراطية في الدولة العميقة، على الرغم من الشعارات الجوفاء التي يطلقها البعض حول البطاقات الذهبية أو غيرها، بداية من سهولة الاستثمار أوسرعة إنهاء الإجراءات، أوالحصول على التراخيص والموافقات في زمن قياسي،بالإضافة إلى المعوقات التي تتمثل في تعارض القوانين والتشريعات العمالية مع المتغيرات الدولية وحقوق العمال، والغموض في نصوصها،مما يفتح المجال أمام تأويلها أو تفسيرها، وهذه بوابة ذهبية للروتين والتعقيدات الإدارية بكل صورها وأشكالها، التي تتسبب في عزوف المستثمرين من الداخل قبل الخارج، لأن من شأنها إضاعة الوقت والجهد، في الحصول على الموافقات والتراخيص،أو في تخصيص الأراضي الصناعية للاستثمارات الجديدة،حتى مع وجود نظام الشباك أو النافذة الواحدة،ومن المخاوف كذلك افتقاد خريطة استثمارية ودرسات الجدوى الاقتصادية،التي تحدد الأولويات الوطنية للمشروعات والاستثمارات التي يحتاجها الاقتصاد في كل دولة، وتتناسب مع الموارد الطبيعية والبشرية التي يتميز بها السوق المحلي، وتعد من المميزات التنافسية الجاذبة للاستثمار، لذلك للتغلب على عزوف أو هروب الاستثمارات علينا التأكيد على ضرورة تهيئة مناخ أفضل للاستثمار، من خلال تحديد الإطار العام الزمني والمكاني للإصلاحات التشريعية والإدارية لبيئة الاستثمار، وإقرار السياسات والخطط الاستثمارية التي تحدد أولويات المشروعات الاستثمارية المستهدفة في إطار الخطط الاقتصادية المعتمدة والتركيز عليها، مع وجود مصادر جيدة ومرنة للتمويل والإقراض، وعدم فرض الأيد العاملة المحلية على المستثمرين، في ظل نقص المهارات الفنية والتقنية الرخيصة التي يبحث عنها المستثمر،ثم متابعة الدولة تنفيذ الخطط والبرامج المرتبطة بتحسين وتشجيع الاستثمار، مع توفير حزمة من التسهيلات والامتيازات الضريبية والجمركية، وبرامج جدولة القروض والديون،خاصة في ظل الأزمات التي أدت إلى تعثر المصانع وإفلاس الشركات وتسريح الأيد العاملة الفنية والماهرة والمشكلات الاجتماعية التي انبثقت عنها، وذلك لتوفير الضمانات التي تبث الطمأنينة في نفوس المستثمرين المحليين والأجانب،لتجنب فقدان الثقة في البيئة الاستثمارية، تحسبا لدفع المستثمر إلى النزوح والهروب.