بقلم: محمد محمود عثمان
الأسعار نار، كما يشعر بها المستهلكون في مختلف دول العالم، ونحن نشعر بها أكثر في البلاد النامية والعربية التي تستورد 90% من احتياجاتها أو أكثر من الخارج، ولا ننكر أن الوضع مأساوي لمعظم الاقتصاديات العربية بل والعالمية الذي فرضته حالات الركود والكساد التي ضربت الأسواق مع بدايات 2020، وزيادة معدلات التضخم المستورد، الذي تفرضه عمليات الاستيراد من الخارج بالأسعار العالمية، وظهور بعض المحتكرين من كبار التجار والمستوردين، الذين يتحكمون في أسعار السوق، فكل له معاناته سواء في اسعار الطاقة أم في المواد الأساسية الغذائية والمدخلات الصناعية، في ظل ثبات الأجور والمرتبات.
والمعضلة الكبرى التي يجب أن يتفهمها أصحاب القرار الآن تتمثل في عدة أمور من أهمها: كبح جماح الأسعار التي تكوي بنارها المستهلكين بعد مشاكل سلاسل الإمداد التي نتجت عن الأزمة الروسية - الأوكرانية، واستغلال وجشع الموردين والمنتجين والتجار الذين يرفعون الأسعار- عشوائيا -مرتين في اليوم صباحا ومساء، واشتكى البعض من أن التجار يرفعون الأسعار المعلن عنها للسلع والمنتجات التي أقبل المستهلكون عليها حتى أثناء عمليات الشراء، وهو نتيجة لضعف الرقابة أو المتابعة من وزارات التجارة ومؤسسات وهيئات حماية المستهلك التي يستثمرها بعض فاقدي الضمير، ومن هنا يأتي دور الحكومات في الرقابة وتفعيل أجهزة وهيئات حماية المستهلك، لإحكام السيطرة على الأسعار، ولتحقيق التوازن في الأسواق وحماية المستهلك بضمان الحفاظ على ثبات أسعار السلع والمنتجات المحلية- بلا مبرر- التي لا تتأثر بمستوى الأسعار العالمية.
وبالنسبة لأسعار السلع المستوردة فمن الضروري متابعة فواتير الاستيراد الأصلية بمساعدة البعثات الدبلوماسية في الخارج أو المكاتب التجارية، لتحديد هامش ربح يحقق السعر العادل للتاجر والمستهلك، بدون ضرر أو ضرار، كى لا نترك السوق لتحكم المستغلين لحاجة المستهكين، والتأثير على مستوى معيشتهم ثم مدى القدرة على الحفاظ على الأنشطة الراهنة للقطاع الخاص واستمراريتها بمعدلات عالية خاصة في الاقتصاديات النامية أو الناشئة، لتسد بعض احتياجات السوق وتحد من عمليات الإستيراد نوعا ما، لأن ذلك يؤدي إلى خفض الأسعار أو حتى عدم تحريكها على الأقل، بالإضافة إلى تكثيف التوعية لترشيد سلوكيات الاستيراد والاستهلاك نحو الضروريات الأساسية الملحة، وكذلك الإرادة والرغبة الحقيقية على تقديم التسهيلات والدعم الماليّ المباشر- إن أمكن - لتسيير أعمال القطاع الخاص والمحافظة عليه من الانهيار، كالمشاركة في الرواتب والالتزامات والتكاليف التشغيلية واشتراكات التأمينات، وأيضا الإعفاء التام من كل أنواع الرسوم والضرائب وتقنين ذلك لفترة أو فترات مجددة، أو تخفيضها على أقل تقدير.
ولقد طالبت بذلك في أكثر من مقال، وقلت علينا أن نركز على هذه المطالب وألا نملُ من التكرار من جديد حتى تعيها أذن صاغية وتتفهمها عقول واعية، حتي يستقيم الاقتصاد ويشتد عوده، في مواجهة تداعيات جائحة كورونا وأزمة أوكرانا، وأنه إذا حدث ذلك فإنها تعد شهادة على النجاح في إدارة الأزمة، لذلك من الضروري أن تسابق الحكومات الزمن لاجتياز هذه المحنة، وقد قدمت حكومة سلطنة عًمان مؤخرا أنموذجا جيدا في هذا الشأن، - تستحق عليه التقدير وعلى الجميع الاقتداء به - حيث تم دمج وتخفيض وإلغاء 288 من رسوم الخدمات الحكومية، في وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، ووزارة التراث والسياحة، وقطاع البلديات ووزارة العمل، وهذه آليات تساعد في كبح جماح الأسعار والنفقات التي يتكبدها القطاع الخاص والمواطن، كما تساعد في تمكين القطاع الخاص على الاستمرار والاستقرار والعمل والإنتاج، وزيادة كفاءته وقدرته التصديرية، فضلا عن أن ذلك له آثار إيجابية في جذب وجلب الاستثمارات الأجنبية، التي تهتم بنسب تخفيض الرسوم والضرائب والجمارك وانخفاض التضخم، لأنها من الحزم التحفيزية القوية للاقتصاد على طريق، لتخلص من حالة الركود.
لأن آثار الأزمة سوف تمتد ربما لسنوات قادمة، ولن تنتهى بدون آثار سلبية على مختلف الأنشطة الاقتصادية، أو على دخل مختلف فئات المواطنين، خاصة أن معظم أسباب هذه الآزمة مستورد من الخارج ولا نملك إلا أن نعامل معها بحكمة وموضوعية، إلى أن يأذن الله بانفراج في حل المشاكل السياسية العالمية التي أدت إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية، والتي يعاني منها الجميع.