مسقط - الشبيبة
في هذا الحوار، تستعرض الدكتورة مروة قراقع، الأستاذ المشارك في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة، دور التكنولوجيا في بطولة كأس العالم لكرة القدم فيفا قطر 2022™، وتؤكد على أن قدرات التكنولوجيا المبتكرة التي تُستخدم في البطولة يمكن أن تؤدي دورًا داعمًا يعزز جوانب مختلفة في هذه "اللعبة الجميلة". وإليكم نص الحوار:
أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عن استخدام التكنولوجيا شبه الآلية لضبط التسلل في نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم فيفا قطر 2022. هل ستؤثر هذه التكنولوجيا على اللعبة بالسلب أم بالإيجاب؟
بصفتي أستاذة وباحثة في قسم تكنولوجيا المعلومات والحوسبة بكلية العلوم والهندسة، أشارك في الأبحاث التي تعمل على تطوير استخدام الذكاء الاصطناعي لدعم اتخاذ القرار في القطاعات الطبية والحكومية والتعليمية، على سبيل المثال لا الحصر. ولديَّ رأيي إيجابي حول استخدام التكنولوجيا شبه الآلية لضبط التسلل التي تعتمد الذكاء الاصطناعي وتُستخدم في بطولة كأس العالم لكرة القدم فيفا قطر 2022 طالما استُخدمت هذه التكنولوجيا لدعم اتخاذ القرار وليس لكي تحل محل الحكام.
وتتيح هذه التكنولوجيا إمكانية جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات، وهو أمر يستحيل أن يقوم به ببساطة أي حكم من حكام الساحة أو حكم مساعد يتابع تقنية الفيديو. ومع ذلك، كما هو الحال مع أي تقنية مثيرة للجدل، فإن عنصر التصور والشرح الخاص بالتكنولوجيا شبه الآلية لضبط التسلل، الذي يشير إلى شرح الأساس المنطقي وراء قرار نموذج التعلم الآلي، يجب أن يُعرض بوضوح للجماهير والمسؤولين لدعم اعتماده في بطولة كأس العالم لكرة القدم فيفا قطر 2022 ومباريات كرة القدم الأخرى.
ما رأيك بشأن استخدام التكنولوجيا في الرياضة وخاصة في لعبة كرة القدم؟
على الرغم من أن استخدام التكنولوجيا في الرياضة قد يكون جديدًا، إلا أنه ليس بالضرورة أمرًا سلبيًا، كما قد يعتقد البعض. ويعتمد تقييم التكنولوجيا التي تُستخدم في الرياضة، مثلها في ذلك مثل أي تكنولوجيا أخرى، على كيفية استخدامها.
فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام وسائل تكنولوجيا مختلفة لتعزيز الشمولية لذوي الإعاقة، حيث يمكن استخدام تكنولوجيا الواجهة اللمسية لدعم الحواس السمعية أو المرئية بهدف نقل معلومات معينة حول المباراة بالمعنى المادي، مثل اتجاه الكرة، وهي أمور قد لا يصورها أو ينقلها التعليق المباشر.
وبالنسبة للرياضيين، يمكن أيضًا استخدام طرق الرؤية الحاسوبية لدعم تدريبهم عبر توفير تحليل آلي للأوضاع التي يمكن أن تؤدي إلى الإصابة. وبالمثل، يمكن أن تساهم التكنولوجيا شبه الآلية لضبط التسلل في دعم عملية اتخاذ القرار بالنسبة للحكام ولكنها يجب ألا تحل محلهم.
بمجرد أن نبدأ بالتفكير في التكنولوجيا باعتبارها نظام دعم وليس بديلاً للبشر، يمكن الاستفادة منها في تحقيق العديد من الفوائد في قطاع الرياضة.
تستخدم بعض أندية كرة القدم أجهزة استشعار متصلة بالدماغ لمساعدة اللاعبين على بلوغ الحالة الذهنية المثلى للوصول بالأداء إلى مستوى مرتفع للغاية. كيف يمكن استخدام التكنولوجيا لتحسين الأداء؟
وهناك مجالات كبيرة لاستخدام التكنولوجيا للمساعدة في تحسين أداء المدربين واللاعبين والحكام. وفيما يلي أمثلة على التطبيقات الحالية أو المحتملة التي تجري أبحاث بشأن بعضها في كلية العلوم والهندسة.
أولاً، يمكن استخدام تكنولوجيا مثل طرق الرؤية الحاسوبية والتكنولوجيا القابلة للارتداء لتتبع حركة الرياضيين وتوجيههم لإبراز نقاط الضعف في لياقتهم البدنية أو الفنية. ويمكن للرياضيين استخدام هذه المعلومات لتحسين أدائهم وتقليل مخاطر التعرض للإصابة أثناء التدريب وحتى في أثناء المباريات التنافسية.
ثانيًا، يمكن أن تساعد التكنولوجيا المدعومة بالذكاء الاصطناعي المدربين على تطوير خطط شاملة واستراتيجية للعب عبر تحليل خطط اللعب التاريخية للخصوم والتنبؤ بخطط اللعب المستقبلية.
وثالثًا، يمكن تصميم خطط التدريب والنظام الغذائي الشخصي للرياضيين بناءً على احتياجاتهم واستجاباتهم الفسيولوجية والبيولوجية.
هل تتوقعين أن تحل التكنولوجيا محل الحكام في إدارة المباريات في يومٍ من الأيام؟
يمكن للتكنولوجيا القائمة على الذكاء الاصطناعي تحليل كميات متنوعة وكبيرة من البيانات في وقت واحد للتوصل إلى تنبؤات واستخلاص النتائج، وهو ما يتجاوز القدرة البشرية وكذلك أدوات أو طرق التحليل التقليدية. لذلك، في ظل تقدم نماذج الرؤية الحاسوبية، يمكن تدريب هذه الأنظمة على تعلم قواعد كرة القدم، والتمكن من إدارة المباريات إلى حدٍ ما.
ومع ذلك، هناك قيود قد تحد من استخدام الذكاء الاصطناعي، واستخدامه لكي يحل محل البشر تمامًا في مجالات محددة ليس مثاليًا. وتتعلم أنظمة الذكاء الاصطناعي بناءً على البيانات التي تتلقى تدريبًا عليها ويمكن أن تكون ذكية أو فعالة فقط بناءً على جودة هذه البيانات. وأي شيء يتجاوز ذلك سيؤدي للتوصل إلى نتائج خاطئة لأن هذه الأنظمة لا تمتلك قدرات التفكير النقدي الموجودة لدى البشر. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع الذكاء الاصطناعي بتحيز خوارزمي متأصل يؤثر على قراراته ويعمل كصندوق أسود، وهو ما يثير قضايا تتعلق بالإنصاف عند قبول النتائج الصادرة عن أنظمة الذكاء الاصطناعي تلقائيًا.
ولهذا السبب، فإن تطوير التكنولوجيا التي تقلص دور البشر هو أمر غير منطقي في بعض التطبيقات، مثل إدارة لعبة رياضية، لأن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه الوصول إلى نفس مستوى الذكاء البشري مهما بلغ تقدمه. ورغم أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتفوق على البشر في مهام معينة، إلا أنه لا يمكنه محاكاة الصفات البشرية مثل الخبرة والحكم. وأفضل طريقة لاستغلال مزايا الذكاء الاصطناعي في الرياضة هي استخدامه لدعم اتخاذ القرار، أي تقديم ملاحظات للحكام الذين سيقومون في النهاية باتخاذ القرارات النهائية.
تعرضت تقنية حكم الفيديو المساعد لانتقادات كبيرة ومتعددة. فهل تكمن المشكلة في التكنولوجيا أم في الأشخاص الذين يستخدمونها، وما الذي يمكن عمله لتحسين استخدامها؟
كما هو الحال بالنسبة لأنظمة التعلم العميق، غالبًا ما تترك طبيعة هذه التقنية وشفافيتها المشجعين في حيرة من أمرهم ومنزعجين من كيفية اتخاذ قرار يغير سير المباراة في كثير من الأحيان. وقد قوبلت تقنية حكم الفيديو المساعد بالانتقادات في الأساس بسبب الافتقار إلى الشفافية لدى الجماهير المتواجدين داخل الاستاد، والتصور الضعيف للقرارات، وغياب الدقة المتصورة، والتأخر في اتخاذ القرار. بالإضافة إلى ذلك، لا يتوفر تحليل حكم الفيديو المساعد وميزة إعادة لقطات الفيديو للمشجعين داخل الاستاد والمداولات أثناء تحليل الحالات الصعبة باستخدام تقنية حكم الفيديو المساعد.
وهناك مشكلة أخرى تتعلق بتقنية حكم الفيديو المساعد وهي أنها تستغرق وقتًا طويلاً وتتسبب في توقف اللعب وتأخيره، حيث تتوقف المباراة مؤقتًا إلى أن يتخذ حكم الفيديو المساعد قرارًا ويتواصل مع الحكم الموجود على أرض الملعب، الذي يحتاج بعد ذلك إلى اتخاذ قراره النهائي. وتقلل هذه التوقفات الدورية الطويلة من أجواء الإثارة وسرعة الإيقاع التي تميز لعبة كرة القدم.
ومن بين المشاكل الرئيسية الأخرى التي تتعلق بتلك التقنية الشك الذي ينتج عن ضعف التصور في مقاطع الفيديو المستخدمة في اتخاذ قرارات مهمة أو القرارات المتعلقة بالأهداف وحالات الطرد وما إلى ذلك. ويمكن أن تسبب مشكلة التصور بسبب زاوية الكاميرا في حدوث مشاكل، ويتيح احتياج الحكام المتواجدين في غرفة حكم الفيديو المساعد إلى عرض تلك اللقطات واتخاذ قرارات مجالاً معينًا من النزعة الذاتية.
ولتحسين بعضٍ من هذه المشاكل، يجب تقديم مستوى من الأتمتة الذكية. ويمكن أن يساعد ذلك تقنية حكم الفيديو المساعد في اتخاذ القرارات بشكلٍ أسرع وأكثر دقة عبر اتخاذ القرارات المستندة إلى الأدلة. وهذا بالضبط هو سبب طرح التكنولوجيا شبه الآلية لضبط التسلل، حيث وُضعت عدة كاميرات في الملاعب لتوفير لقطات للاعبين من زوايا مختلفة. وبعد ذلك تُدخل هذه البيانات في نظام الذكاء الاصطناعي لتتبع تحركات اللاعبين بدقة، واكتشاف بعض المخالفات وتنبيه الحكام بشأنها تلقائيًا، مثل حالات التسلل. وتشارك التكنولوجيا هذه التنبيهات لاحقًا مع كل من حكم الساحة وحكام تقنية الفيديو لاتخاذ القرار النهائي.
وبالإضافة إلى قدرتها على كشف التسلل في الوقت الفعلي تقريبًا، تمتلك هذه التكنولوجيا القدرة على توفير رسوم متحركة ثلاثية الأبعاد مُعاد هيكلتها لإظهار موضع أطراف اللاعبين في الوقت المحدد لحدوث حالة التسلل لحكم تقنية الفيديو وحكام الساحة والمشجعين، وهو ما يسهل عملية اتخاذ القرار بطريقة أكثر شفافية وقابلة للتفسير في المباريات.
ما هي الأبحاث الأخرى ذات الصلة التي تُجرى في كلية العلوم والهندسة؟
تُجري الكلية أبحاثًا متنوعةً في مجالات الرؤية الحاسوبية، والتعلم الآلي، والتعرف على الحركة، ويمكن تطبيق نتائج مشاريعنا البحثية لتعزيز لعبة كرة القدم أو الرياضة وكذلك الفعاليات الرياضية. فعلى سبيل المثال، أجري بحثًا لتطوير نظام مراقبة قائم على الذكاء الاصطناعي يستخدم لقطات كاميرات المراقبة للتعرف تلقائيًا على الأحداث التي تهم المسؤولين الحكوميين، مثل الاشتباكات والاحتجاجات والتجمعات الكبيرة وما إلى ذلك، ونقل هذه المعلومات إلى الهيئات المعنية لمساعدتهم على اتخاذ الإجراءات المناسبة، وهو ما يساعد على ضمان الحفاظ على أمن الفعاليات الكبرى مثل البطولات الرياضية.
* تشغل الدكتورة مروة قراقع منصب أستاذ مشارك في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة. ويشتمل عملها في مجالات التعلم الآلي ومعالجة الإشارات على التحليلات التنبؤية لقطاع الصحة، فضلاً عن المشكلات المتعلقة بالأمن.