بقلم : محمد محفوظ العارضي
اجتمع خلال شهر نوفمبر قادة وممثلون ومندوبون بارزون من 190 دولة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2022 (COP27) في شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية الشقيقة. ومن المشجع أن نرى تفاعلًا نشطًا للغاية من بلدان العالم بشأن الآثار السلبية للتغير المناخي وأفضل السبل لمواجهتها وحماية كوكبنا.
ورغم توافر العديد من الجهود واسعة النطاق التي يجري التخطيط لها وتنفيذها للحد من انبعاثات غازات الدفيئة والاحتباس الحراري، أؤمن بأن من المفيد أن ننظر إلى الممارسات التي كانت مستدامة بالفعل خلال العقود الماضية، ومن ثم تكييفها مع واقع عالمنا الحديث في مرحلة ما بعد التقدم الصناعي.
لقد تركزت التقاليد العربية بطبيعتها حول الأفراد، وبينما تستثمر الدول العربية بكثافة في الطاقة المتجددة وتقوم بخطوات كبيرة في هذا الإطار، يجب علينا أيضًا الاستفادة من حكمة أجدادنا، الذين لم تكن أنماط حياتهم مستدامة فحسب، بل كانت موجهة نحو منفعة المجتمع عمومًا.
ويعتبر معدل الارتفاع في انبعاثات غازات الدفيئة نتيجة مباشرة للثورة الصناعية، التي غيرت العالم بلا شك، ولكنها أدت إلى سلسلة من التحديات التي تم التغاضي عنها لفترة طويلة. وبينما يتجه العالم نحو العصر الرقمي، يجب علينا التوفيق بين قيمنا الراسخة وبين الحاضر والمستقبل، وتقديم أنموذج يعكس الروح الأصيلة للتقاليد العربية بينما نشرك المجتمعات العالمية في الممارسات التي تدعم أهداف الاستدامة.
وعلى مرّ التاريخ، تواجد الأفراد في الدول العربية بوصفهم عناصر قيّمة ضمن مجموعة أكبر- «القبيلة أو الأخوّة» التي تدفع كل فرد ليقدّم أفضل ما لديه من قدرات. ولم تقتصر القيم العائلية على الأقارب، بل امتدت لتشمل الأصدقاء والجيران والمعارف في العمل.
ولا يسعنا التشكيك في أهمية المشاريع الكبيرة والجهود الفردية والحكومية للحد من انبعاثات الكربون، لكن أسلوب الحياة المرتكز على المجتمع والذي لطالما كان جزءًا من الثقافة العربية يمكن أن يحدث فرقًا هائلاً إذا اعتمدته البلدان في أنحاء العالم.
ويعدّ اتخاذ المرء خياراته بناءً على التأثير والتداعيات الأوسع لأفعاله فكرة مهمةً تختلف بحسب كل سيناريو.كما يعتبر تقدير المقتنيات وإعادة استخدامها ومشاركتها وإقراضها جزءًا من التقاليد العربية، ولكن هذه الممارسات تلاشت إلى حد كبير مع صعود النزعة الاستهلاكية والمؤثرات الخارجية على أنماط الحياة. وينصح خبراء الاستدامة المستهلكين الآن باتخاذ قرارات واعية بشأن الشراء وإيجاد طرق لإعادة استخدام السلع بدلاً من التخلص منها، وهو ما يتماشى مع أنماط الحياة التي عاشها أجدادنا. ويقع العبء الآن على عاتقنا نحن المواطنين العرب لتكييف عقلية المجتمع مع السياق الحديث، واحترام تراثنا الغني مع التطلع إلى الأمام وحماية مصالح حلفائنا العالميين والأجيال المقبلة.
ومن المستحسن البدء بالممارسات المستدامة في المنزل مثل تقليل استهلاك الطاقة، وترشيد استهلاك المياه، وزراعة الخضروات، والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة مثل المصابيح والألواح الشمسية. وقد يتخذ الحد من النفايات عدة أشكال- يمكن تقليل هدر الطعام من خلال مشاركة بقايا الطعام في المساحات العامة- مثل قيام بعض المجتمعات في دول مجلس التعاون الخليجي بإدارة مخازن وثلاجات في الأحياء حتى يتمكن الجميع من الحصول على وجبات الطعام.
وتتيح الأطر الرقمية التي نستطيع الوصول إليها الآن وفرة من الفرص. اذ يمكن تطوير تطبيقات تحديد الموقع الجغرافي أو التطبيقات التي تركز على المجتمع لدعم تقليل الفاقد وتشجيع المشاركة والعطاء والإقراض داخل المجتمع.
ويمكن تطبيق هذا المفهوم في مجال الأعمال، بحيث يتم نشر الخدمات والموارد على الإنترنت وتصبح الملكية الجماعية للأصول هي القاعدة. على سبيل المثال، يمكن للشركات العاملة في نفس الصناعة النظر في خيارات الملكية المشتركة للمعدات التي تستخدمها بدوام جزئي، أو التفكير في إقراض المعدات بحيث يتم استخدام الموارد لأقصى قدر ممكن.
وهناك فرص لنمو الأعمال أيضًا، وربما نهج متجدد للبنية التحتية يدعم مفهوم الأصول المشتركة في مختلف الصناعات. كما يمكن للحكومات تحفيز الاستخدام المشترك للموارد في القطاع الخاص أيضًا من أجل مساعدة المؤسسات على تقليل بصمتها الكربونية.
وهناك أيضًا مجال للابتكار بالطبع، حيث يمكن إعطاء وظيفة جديدة للمواد التي تلقى عادةً في مكبات النفايات واستخدامها لتطوير المنتجات. وقد حققت العديد من الشركات حول العالم نتائج ممتازة في هذا المجال، من استخدام بلاستيك زجاجات المياه في تصنيع الأحذية إلى إعادة استخدام بقايا الطعام في صنع الأدوات المنزلية.
كما يمكن لرواد الأعمال من ذويالرؤية الداعمة للاستدامة الحصول على حوافز ودعم من الحكومات والمؤسسات المالية والجهات الكبرى في القطاع الخاص في هذا الإطار.إن الشباب العربي، وحتى كبار السن من المواطنين، لا ينقصهم الإبداع. إذ أشعر دائمًا بالدهشة من الأفكار الرائعة التي يطرحها أفراد مجتمعنا.
ولا يوجد توقيت أفضل من اللحظة الراهنة لتجديد التزامنا ليس فقط تجاه مجتمعنا بل تجاه كوكبنا، وتقديم أنموذج يُحتذى لأصدقائنا وحلفائنا من مختلف الثقافات حول العالم وتبنّي عقلية تركز على المجتمع لتحقيق الاستدامة.
نعلم الآن بأن البشرية جمعاء تواجه خطرًاكبيرًا وأن السبيل الوحيد للأمن يكمن فيتضافر الجهود وتفضيل المنفعة العامة على المنفعة الفردية، وهو جزء مهم من التقاليد العربية يجب علينا أن نتكيف معهفيوضعنا الحالي من أجل تعويض الضرر الذي تعرض له كوكبنا والعمل من أجل مستقبل أكثر صحة وأمانًا واستدامة.