إلى متى سيعاني المستهلك من الغش التجاري؟!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٨/مايو/٢٠١٦ ١٥:٣٩ م
إلى متى سيعاني المستهلك من الغش التجاري؟!

د. راشد بن علي البلوشي

قلّ ما يمر أسبوع إلا و نسمع فيه أن حملات التفتيش التابعة للهيئة العامة لحماية المستهلك قد اكتشفت مؤسسات تجارية (صغيرة أو متوسطة أو كبيرة) أو عمالا سولت لهم أنفسهم التلاعب بالقوانين و الأنظمة التجارية و التسويقية في السلطنة و كذلك التآمر على حياة المواطنين و المقيمين وصحتهم. فمن الأرز المغشوش إلى الأسماك الفاسدة إلى الدقيق والسكر المنتهي الصلاحية و المخزن بطريقة غير صحية إلى اللحوم الفاسدة في أحد المطاعم إلى الحلويات المنتهية الصلاحية إلى المواد الغذائية الأخرى المعلبة التي تم تغيير تواريخ انتهائها ومنها حليب الأطفال إلى المستحضرات التجميلية التي تحتوي على مواد غير مطابقة للمواصفات إلى قطع غيار السيارات التي تم تسويقها تحت أسماء علامات تجارية أعلى سعرا إلى منتجات التبغ المغشوشة إلى غيرها من السلع الضرورية التي يحتاجها المستهلك و يصرف في سبيل شرائها أو اقتنائها الأموال الطائلة ظنا منه بأن صفقة البيع و الشراء كانت عادلة، و لكن هيهات!!

وإذا كان تناول المزيد (عن الحاجة أو العادة) من بعض المواد الغذائية الصالحة للاستهلاك البشري، كالسكر و الملح و السمن المحلي و العسل والبهارات و اللحوم و الحلويات و البطاطا و الباذنجان و المكسرات و منتجات الألبان و غيرها مما يحتاجه الجسم للنمو و القيام بأنشطته اليومية، يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية جمة مثل ارتفاع ضغط الدم أو نسبة السكر أو الكوليسترول في الدم (أو النقرس أو أمراض الجهاز التنفسي في بعض الحالات) أو زيادة في الوزن و تأثيراتها على العظام و الصحة عموما، فبإمكاننا أن نتخيل الضرر الجسيم الذي يمكن أن يسببه لنا تناول مواد غذائية فاسدة أو مغشوشة أو منتهية الصلاحية. لا شك أن قيام هؤلاء المتلاعبين بهذه الأعمال فيه خيانة لما ائتمنوا عليه و ما أوكل إليهم من مهمة تزويد المستهلكين في هذه البلاد بمواد غذائية و استهلاكية، و فيه كذلك من تعمد الإيذاء و الضرر ما يجعله أقرب إلى جريمة التآمر على حياة المواطنين والمقيمين في السلطنة.

نقدر ما تقوم به الجهات الحكومية المختصة (الهيئة العامة لحماية المستهلك و البلديات الإقليمية في الولايات) من حملات تفتيش وضبط للمخالفين و نثمن ما تقوم به الجهات الحكومية الأخرى المختصة (شرطة عمان السلطانية و الادعاء العام و الجهاز القضائي) من إجراءات عقابية بحق المخالفين إلا أنني أرى (من وجهة نظر أكاديمية من «بيت الخبرة» العماني، وهو الاسم الذي أطلقه جلالة القائد المفدى -حفظه الله و رعاه- على جامعة السلطان قابوس) أن هؤلاء المخالفين لم يتعلموا من الدرس، بمعنى أن العقوبة (أو العقوبات) التي صدرت بحقهم إلى الآن لم تكن كافية بما ينبغي لردعهم عن مخالفة القوانين و النظم التجارية و التسويقية المعمول بها في السلطنة، مما زيــــــن لهم و لغيرهم التعدي على هذه القوانين و غيرها و التمادي في الغش و الإضرار بصحة المواطن و المقيم العماني و تعريض صحته و من ثم حياته للخطر.
و لهذا، و رغم ثقتنا الكاملة في السلطات المختصة و على رأسها الجهاز القضائي (و الذي يرأسه جلالة القائد المفدى أطال الله في عمره)، فإننا ننصح (من باب «الدين النصيحة»، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه و سلم «لله و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامتهم») ننصح في حال ثبوت التعمد في الغش و التدليس و تعريض حياة المواطنين و صحتهم للخطر (أي أن الجرم أو الجريمة قد ارتكبت مع سبق الإصرار و الترصد و بدم بارد) بتغليظ العقوبات و تشديدها لأن تصل عقوبة السجن فيها مثلا إلى العشر سنوات (أو أكثر)، والغرامة إلى نسبة تصل إلى العشرة في المائة (أو أكثر) من رأسمال الشركة أو موجوداتها في السوق العمانية، أو إلى إيقاف نشاط الشركة في السلطنة مع إلزامها بدفع كافة التكاليف المترتبة على عملية الغش أو التدليس (كتكاليف علاج المتضررين وما يحق لهم من غرامات تعويضية)، أو إجبار الشركة على تخصيص نسبة معينة من أرباحها السنوية (إلى أجل مسمى) لأغراض خدمة المجتمع و دعم مؤسساته المدنية (أو دمج بعض هذه العقوبات)، أو إجبار مسؤولي الشركة و موظفيها المتورطين في أعمال الغش التجاري على القيام بأعمال خدمية في المجتمع (كصيانة المرافق العامة و تنظيفها) و ذلك حتى لا يقدم هؤلاء الظلمة على فعلتهم و هم يتوقعون أن العقوبة ستكون الإبعاد النهائي من البلاد أو السجن لمدة قصيرة أو الغرامة البسيطة (ألفا أو خمسة آلاف أو عشرة آلاف أو خمسين ألفا أو مائة ألفا ريال) و التي لا تعدو أن تكون أرباح مبيعات هذه الشركات (على اختلاف أحجامها) في يوم أو أسبوع واحد.
ونوصي بإيجاد مثل هذه العقوبات الرادعة و ذلك لأن هؤلاء التجار بفعلتهم هذه قد تآمروا على حياة المواطنين العمانيين والمقيمين و صحتهم. ونرى بالإسراع في تشديد العقوبات على المخالفين حتى يردع القانون كل من تسول له نفسه الإضرار بحياة المواطنين و المقيمين، عملا بقول الخليفة الراشد عثمان بن عفان, رضي الله عنه: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». و نؤكد هنا على أننا لا ننظّر للجهات الحكومية المختصة (من شرطة و ادعاء و قضاء، حيث إن لدى هذه الجهات من المسؤولين و الخبراء ما يمكنها من سن القوانين التي تكفل حقوق المواطنين والمقيمين وحمايتهم) و لكننا نقترح وسائل جديدة لجعل هؤلاء الفاسدين من التجار يفكرون طويلا قبل الإقدام على أعمالهم المشينة.
و يجب أن تمنح هذه الغرامات للمتضررين ضررا مباشرا، أو أن تودع في خزينة الدولة في حالة وقوع الضرر عن طريق الغش العام (غير المباشر على أشخاص بعينهم) لأن الحكومة ستقوم بصرف هذه المبالغ لاحقا (و بطريقة غير مباشرة) في خدمات علاج المتضررين. والسؤال الذي يطرح نفسه كلما اكتشفنا عملية غش أو تدليس في أي منتج استهلاكي هو: إذا كان هذا ما اكتشفناه في السنوات الخمس الفائتة في ظل وجود الهيئة العامة لحماية المستهلك، فماذا كان هؤلاء التجار الفاسدون و غيرهم يفعلون عندما لم يكن هناك هيئة عامة لحماية المستهلك؟ و السؤال الآخر المتعلق به هو: هل لهذه التجاوزات في حقوق المستهلك دور في ما تفشى في بلادنا من أمراض مزمنة و مستعصية كالسرطان (بكافة أنواعه و خصوصا ما تعلق منها بالجهاز الهضمي) و أمراض الجهاز التنفسي؟ و نختم بالقول أنه لا بد من الردع بالعقوبة المغلّظة حتى نقطع الطريق على المخالفين، عملا بالحكمة التي تقول «درهم وقاية خير من قنطار علاج».

أستاذ اللغويات المساعد في جامعة السلطان قابوس