محمد سيف الرحبي
سرت إلى بيمبا، أو كما تسمى الجزيرة الخضراء، وبدأت متعة الاكتشاف من تلك الطائرة الصغيرة التي ضاقت بركابها الإثني عشر لكنها حلقت عاليا بسلاسة بالغة كأنما كنت في حديقة ألعاب تتشبه بالواقع وأني لست في طائرة حقيقية مضت تطوف بنا فوق زنجبار نمرح ونبتهج بهذه اللعبة الحقيقية مكتشفين الجمال من الأهالي، وكيف كانت الأرض خضراء منبسطة على مزارع فخمة الحسن ومنازل فقيرة الملامح.
من النافذة تبدو السحب أبهى، طبقات نجول بالقرب منها.. والبحر أشد سحرا حيث تتمازج الزرقة بدرجات اللون وتداخلها مع السحاب والمطر.
حقا إنها خضراء.. بل مدهشة في هذا اللون الأخضر وهو يتخذ خارطته كمن يرسم على صفحة ماء ممتدة الزرقة..
مطار بيمبا مبلل بالمطر يتساقط صيبا.. متخذين طريقنا إلى غرفة صغيرة هي قاعة الوصول، يغمرنا الترحيب من مستقبلينا.. أسماء عمانية وقبائل تعرفها ولايات عمان وقراها على سفوح الجبال أو على حواف الماء.. بجوار ساحل بحر أو ساقية فلج.. لهم سمرتهم الداكنة.. يسألون عن الأخبار والعلوم، لكن جنسيتهم تباغتنا.. تنزانيون كما يقول جواز السفر.. رغم أنف كل المعطيات التي لا تدل على ذلك.
قبل شروق الشمس اتخذت شارعا طويلا ممشى ومتخذا من التطمينات ملجأ.. أردت السير في الشارع لألتقي الناس لا أصافحهم بعيني فقط من خلال نافذة السيارة.. رأيت الجزيرة الخضراء في الملابس التي تشبهنا.. في كلمتي السلام عليكم يلقيها رجل أنهكته السنون يدفع دراجته الهوائية.. لأراها في العيون الصغيرة حيث أطفال يراقبون هذا الغريب الذي لا يشبههم مهما بدا اللون ليس بعيدا تماما.
سرت ومعي التلاميذ حيث اللون الأخضر يغري بالمشي.. ذاهبون إلى مدرستهم، قليلهم على دراجة هوائية وأغلبهم يمشي، سيارة نقل صغيرة هي حافلة المدرسة وقد تكدسوا فيها.. تمعنت في الملامح، الأقدام المنسحبة بتعب، بعضها حافية، تمعنت في حقائبهم، في ذلك البؤس المستوجب حمد الله وشكره على نعمه علينا، لا معنى لكل ذلك الجمال إن لم ينظر إليه المرء بكرامة.. كرامة الإحساس بالشبع على الأقل إن لم يكن العيش كأي طفل في العالم له حقوق كإنسان يعيش الألفية الثالثة.
الصباحات الناعسة تستيقظ بين لونين، أشجار المانجو تلقي ببعض ثمارها الخضراء فأستعيد طفولتي ومزاجي، متتبعا خطوات الصغار، كل تلك المسافات يقطعونها من أجل الدراسة، تتبعتهم مرهقة حتى إذا أخذوا طريقا فرعيا ترابيا عدت بتعجبي وتعبي دون مواصلة الدرب معهم.
أخبرني أحدهم أن الجزيرة يسكنها الكثير من العمانيين.. ومعلومة أخرى تقول إنه قبل عام 2010 تبلغ قيمة البيشي من القرنفل، والبيشي مكيال قديم كان يستخدم في عمان قديما، سبعة آلاف شلنج، فتصاعد إلى 21 ألفا و500 شلنج حاليا وارتفع معه عدد السيارات في الجزيرة من 500 سيارة إلى أكثر من خمسة آلاف.
بيمبا تشكل مع أونجوجا أرخبيل زنجبار مع مجموعة جزر أخرى صغيرة أغلبها غير مأهولة.