علي بن راشد المطاعني
على الرغم من أن الكلّ يدرك حجم التأثيرات السلبية لانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية على الدول المنتجة للنفط والمعتمدة بنسبة كبيرة في إيراداتها على العوائد النفطية في ميزانياتها، إلا أن الأمانة تقتضي القول إن السلطنة تعاملت بمنتهى الإيجابية مع انعكاسات انخفاض أسعار النفط وتأثيراتها على الخزينة العامة للدولة، فلم يلمس المواطنون تأثيرات واسعة لهذا الانخفاض رغم مرور سنة ونصف على انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، والإجراءات التي اتخذت لمواجهة هذه الجوانب لم تمسّ حياة الناس والخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والكهرباء وغيرها من القطاعات الضرورية، وإنما تمثّل تخفيض الإنفاق في الجوانب الجارية غير الضرورية، الأمر الذي يعكس مدى التعاطي الايجابي مع الأزمة التي هزت العديد من الدول وخاصة المعتمدة على النفط.
فبلا شك إن الإيرادات النفطية في السلطنة تشكل ما يربو على 86 بالمائة من إيرادات الموازنة العامة للدولة وهي نسبة كبيرة جدا بالمقاييس الاقتصادية في نسبة مساهمة النفط في إجمالي دخل الدولة، إلا أن تأثيراتها ما زالت غير ملموسة بشكل كبير في الكثير من الجوانب التنموية والاقتصادية، وتعاطت الحكومة مع الأزمة بشكل متوازن بعيدا عن الشطط كاتخاذ إجراءات صعبة تخوفا من انعكاساتها السلبية وإعطاء اشارات سلبية حول قدرة الدولة على التعاطي مع مثل هذه الأحداث رغم شدة وطأتها، وهي سياسة معتادة من الحكومة في السلطنة في التعامل مع الأزمة النفطية التي تشهدها الأسواق بين حين وآخر.
إن التعاطي الحكومي مع انخفاض الإيرادات النفطية تمّثل في العديد من الجوانب كتخفيض الإنفاق في الجوانب الكمالية وغير الضرورية عبر منشورات وزعتها وزارة المالية على الجهات الحكومية في الفترة الماضية وخفّضت بعض أوجه الإنفاق الجاري، والتقديرات تشير إلى أنه تم تخفيض 2 مليار ريال من المصروفات الجارية في الفترة الماضية دون أن يلمس الكثير تأثيرات ذلك على أوجه الحياة المختلفة في البلاد، وهو ما يعكس اتزان السياسة المالية للدولة واتخاذ إجراءات احترازية وقائية في حالات الأزمات التي تتعامل بشيء من الحكمة والموضوعية مع انخفاض أسعار النفط.
ويعد رفع الدعم عن المشتقات النفطية أحد الجوانب التي اتخذتها الحكومة في مواجهة تأثيرات أسعار النفط من خلال تحرير الأسعار لكي تتساوى مع الأسعار العالمية، ولذلك تتباين الأسعار من شهر لآخر وفق أسعارها في الأسواق العالمية بالارتفاع والانخفاض، وهو إجراء طبيعي لمواجهة مثل هذه الأزمة وإكساب المواطنين والمستهلكين عادات ترشيد الإنفاق والتوعية بكيفية التوازن في الاستهلاك، وقد تفهم الشارع العماني هذه الإجراءات الطبيعية التي تتخذها الدولة في مثل هذه الأزمات، وقد اتخذت مثل هذه الخطوات لرفع الدعم عن البنزين أسوة ببعض الدول الأخرى خاصة وأن بعض هذه الدول لديها إمكانيات كبيرة في تعويض نقص الإيرادات النفطية.
كما عملت السلطنة على السحب من الاحتياطيات لتعويض نقص الإيرادات النفطية كإجراء في العادة تتخذه الدول التي لديها صناديق سيادية في سد العجز في الميزانيات، في أوقات الأزمات وهو ما اتخذته الدول الخليجية المجاورة بالطبع.
إلا أن ذلك لا يعني أن تستمر هذه الإجراءات طويلا خاصة إذا استمرت أسعار النفط في الانخفاض في الفترة القادمة، فالأمر يتطلب اتخاذ اجراءات كبيرة وموجعة بعض الشيء في العديد من الجوانب كاللجوء إلى زيادة الضرائب والرسوم على العديد من الخدمات واتخاذ إجراءات تقشفية أكثر وتقليص الإنفاق في العديد من الجوانب بما يتلاءم مع الأوضاع المادية حفاظا على مكانة الدولة المالية وضمان استمرار الخدمات الضرورية للمواطنين، وهذه الإجراءات تتخذها الدول في مثل هذه الظروف ولاريب في ذلك.
بالطبع الإجراءات التي تتخذها الحكومة تأتي بعد عرضها على المجالس التشريعية كمجلسي الشورى والدولة، وإطلاع الرأي العام ببعضها إيمانا منها بأهمية المشاركة في اتخاذ القرار وضمان تقبّلهم لمثل هذه الإجراءات ذات أهمية لمستقبل الدولة.
نأمل أن يتفهم الجميع الإجراءات التي تتخذها الدولة والتي تهدف في المقام الأول إلى الحفاظ على مكانة الدولة المالية وضمان عدم تأثر التنمية في البلاد بأي انعكاسات لانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، إيمانا منها بأن المواطن هو هدف التنمية ووسيلتها.