المأزق الاقتصادي في اليابان

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٨/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٤٣ ص
المأزق الاقتصادي في اليابان

مارتن فيلدشتاين

يتألف الاقتصاد الياباني من خليط متناقض من الازدهار والفشل. وإلى حد كبير، يساعد الازدهار في جعل معالجة الإخفاقات أمرا بالغ الصعوبة.
الواقع أن ثراء اليابان ملموس وواضح لكل من يزور طوكيو. فمستوى المعيشة مرتفع، حيث بلغ نصيب الفرد في الدخل الوطني عام 2015 (باعتبار تعادل القوة الشرائية) 38 ألف دولار أميركي، وهو مستوى قريب من المتوسط في فرنسا وبريطانيا (41 ألف دولار). ويُعَد معدل البطالة في اليابان (3.3%) أقل كثيرا من نظيره في الولايات المتحدة (5%) ومنطقة اليورو (10% تقريبا).
ولكن اقتصاد اليابان انزلق الآن إلى الانكماش، مع انخفاض أسعار المستهلك في مارس/آذار إلى مستويات أدنى مما كانت عليه قبل عام، في حين يتراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. وبرغم اقتراب تكاليف الاقتراض من الصِفر، يكاد العجز المالي يبلغ 7% من الناتج المحلي الإجمالي، ويتجاوز الدين الحكومي 230% من الناتج المحلي الإجمالي، هذا فضلا عن تقلص السكان وقوة العمل، وهو ما يعني ارتفاع نسب الدين في المستقبل.
عندما تولى رئيس الوزراء شينزو آبي منصبه في ديسمبر/كانون الأول 2012، أعلن عن استراتيجية ــ تشمل ثلاثة "أسهم" ــ للتغلب على تركيبة من المشاكل الاقتصادية تجمع بين تباطؤ النمو وانخفاض التضخم. وتقوم هذه الاستراتيجية على تبني سياسة نقدية متساهلة للغاية، والتحفيز المالي في الأمد القريب، والإصلاحات البنيوية لسوق العمل وسوق المنتجات. بيد أن السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة (أو ما يسمى "اقتصاد آبي") لم تنجح في علاج المشاكل التي تعاني منها اليابان، ومن غير المرجح أن تنجح في إداء هذه المهمة في المستقبل.
بعد قيام آبي بتعيين هاروهيكو كورودا رئيسا لبنك اليابان وتكليفه برفع معدل التضخم إلى 2%، سارع كورودا إلى تخفيف السياسة النقدية بشكل كبير، من خلال خفض أسعار الفائدة وإطلاق مشتريات واسعة النطاق من السندات الحكومية الطويلة الأجل. وقد أدى هذا إلى انخفاض حاد في قيمة الين، كما دَفَع سعر الفائدة على سندات العشر سنوات باتجاه الصِفر. وتسبب سعر الصرف الأكثر تنافسية في رفع أرباح المصدرين اليابانيين، ولكن ليس إنتاجهم، في حين أدى سعر الين الأضعف أيضا إلى رفع أسعار الاستيراد، وتقليص الدخول الحقيقية لأغلب الأسر اليابانية.
في يناير، ذهب بنك اليابان إلى ما هو أبعد من ذلك فقَدَّم أسعار الفائدة السلبية على الاحتياطيات الإلزامية للبنوك التجارية، وهي الخطوة التي فسرتها الأسواق باعتبارها تصرفا مرتبكا مدفوعا باليأس. وقد خلف هذا تأثيرا سلبيا تمثل في إضعاف الطلب من قِبَل الأسر والشركات. وبرغم التيسير من جانب بنك اليابان، سرعان ما أدت الظروف المالية العالمية إلى ارتفاع قيمة الين بما يقرب من 10% نسبة إلى الدولار.
وهذا الأسبوع، فاجأ بنك اليابان الأسواق في اجتماعاته الأخيرة بعدم إدخال أي تغيير على سياساته، خلافاً للتوقعات الواسعة النطاق بالمزيد من تيسير الظروف النقدية. وكانت ردة فِعل الأسواق حادة، فارتفعت قيمة الين بنحو 2% في مقابل الدولار وتراجعت سوق الأسهم اليابانية بنحو 3%.
بدأ آبي سياسته المالية ببرنامج إنفاق كبير، مركزا في المقام الأول على الإنفاق وإحلال البنية الأساسية التي تضررت بزلزال عام 2011. ولكنه زاد أيضا ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 8% لمعالجة العجز الهائل والديون الوطنية المتنامية. وكانت النتيجة الانكماش الاقتصادي، مع فصلين متتاليين من انحدار الناتج المحلي الإجمالي. ولم يصبح مستوى الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الآن أعلى مما كان عليه في عام 2008.
أما السهم الثالث في جعبة اقتصاد آبي ــ السياسات البنيوية الرامية إلى تعزيز النمو المحتمل ــ فلم ينطلق إلا بالكاد. والخبر السار هنا هو أن بعض الزيادة طرأت على مشاركة الإناث في سوق العمل وعلى أعداد السياح الذين يزورون اليابان. وهناك مجموعة من الإصلاحات التي تهدف إلى إصلاح القطاع الزراعي الذي يتمتع بحماية مفرطة، وإن كان أي تغيير جوهري يعتمد على التصديق على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (وحتى آنئذ سوف تكون التغييرات متدرجة على مدار عِدة عقود من الزمن).
يُعَد انخفاض عدد السكان وتقلص القوة العاملة في اليابان تحديا كبيرا طويل الأجل ــ وهو ما انعكس في دعوة آبي إلى مشاركة عدد أكبر من النساء في العمل خارج المنزل. وبرغم أن نظام التصاريح المؤقتة يسمح بتوظيف العمال الأجانب في اليابان لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، فلن تسعى الدولة إلى تحسين الاتجاهات الديموغرافية السلبية بالانفتاح على الهجرة الدائمة.
أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، والرئيس الفخري للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية،