الإنحياز للبسطاء

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٨/مايو/٢٠١٦ ٠٠:٣٤ ص
الإنحياز للبسطاء

نينا خروشيفا

خلال السنوات القليلة الماضية ، قام البابا فرانسيس بتنشيط الرسالة الأساسية للكنيسة الكاثوليكية مع إنتقاد حماسي للرأسمالية غير المنضبطة وتبني نظرة عالمية جديدة أكثر تقدمية وفي الإنتخابات التمهيدية في الولايات المتحدة الإمريكية فإن الحملة الرئاسية لعضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز تعمل الشيء نفسه للحزب الديمقراطي والسياسة الإمريكية بشكل عام.
إن رسالة ساندرز تأخذ الكثير من حركة إحتلال وال ستريت ودعوتها لمحاربة عدم المساواة الإقتصادية ولكن حتى قبل إن يظهر ساندرز كمنافس على ترشيح الحزب الديمقراطي فلقد تمكن فرانسيس من الفوز بحب الملايين برسالة مشابهة.
لقد إستنكر فرانسيس " إتساع الفجوة بين أولئك الذين يمتلكون الكثير وأولئك الذي يجب أن يكتفوا بالفتات ". إن رؤيته " لكنيسة فقيرة للفقراء" قد أكسبته لقب " بابا الناس " وعليه لم يكن من المفاجىء في العام الماضي أن يدعو المؤلفة والناشطة في حركة إحتلال وال ستريت ناعومي كلاين لحضور مؤتمر عن البيئة قام بتنظيمه في روما.
لقد قام ساندرز هذا العام بمخاطبة التجمع نفسه حيث جادل بإن التغير المناخي هو التهديد الأمني الأكثر جدية الذي يواجه العالم . إن أرائه التي يؤمن بها منذ فترة طويلة تعكس أراء فرانسيس الذي إنحاز في رسالة بابوية رائدة للدوائر العلمية فيما يتعلق بالتغير المناخي. إن كلا من ساندرز وفرانسيس يربطون الإنحدار البيئي بالرأسمالية غير المنضبطة ويؤكدون بإن الناس الأفقر في العالم يعانون بشكل غير متناسب من التأثير البيئي للنشاطات التي عادة ما تجعل إثرياء العالم أكثر ثراءا.
حتى فيما يتعلق بالمواضيع المرتبطة بالحب والعائلة فإن فرانسيس يعد أكثر تقدمية من أسلافه وعلى الرغم من أن عقيدة الكنيسة ما تزال تعتبر الزواج على إنه إتحاد بين رجل وإمرأة لا يمكن كسره فإن لغة التسامح التي يستخدمها تجاه المثليين جنسيا والمطلقين هي مذهلة إن لم تكن رائدة وغير مسبوقة.إن هناك شيء مشترك آخر مثير للإهتمام بين ساندرز وفرانسيس فكلاهما في آواخر السبعينات وقد يبدو من الوهلة الأولى إن من الغربب أن هولاء الرجال في سن التقاعد هم من الشخصيات البارزة التي تلهم الشباب وتعكس أرائهم في السعي لإحداث تغيير ثوري ولكن بعد التمعن في الأمر فإن هذا الرابط غير مفاجىء فعندما يتعلق الأمر بالسخط من مظالم العالم فإن كبار السن قد يتمتعوا بنفس الحماسة التي يتمتع بها الشباب.

إن تأثير ساندرز وفرانسسيس على الشباب يتزايد بسبب الإحساس بإنه بالنسبة لكلا الرجلين فإن الحقيقة والإخلاق أكثر أهمية من تعظيم الذات أو الإثراء فكلاهما يبدو متواضعا ففرانسيس رفض أسلوب الحياة الملكي لإسلافه وصافي قيمة ثروة ساندرز هي أقل من المعدل بكثير بالنسبة لعضو في مجلس الشيوخ الأمريكي وهم على الرغم من تقدميتهم غير عصريين بالمرة .
بالإضافة إلى ذلك فإن ساندرز وفرانسيس يعدون غرباء إلى حد ما فربما يتمتع ساندرز بتاريخ مهني طويل في عالم السياسة الأمريكية ولكنه يمثل ولاية فيرمونت الليبرالية الصغيرة وهو يستنكر بحماسة الأموال الضخمة التي تعتبر شريان حياة معظم السياسين . أما فرانسيس فهو أول بابا من أمريكا اللاتينية وأول بابا يستنكر عدم المساواة الإقتصادية بهذه القوة .
بالطبع فإن فرانسيس لا يعتبر أول بابا يتعامل مع هذا الموضوع ففي واقع الأمر إحتفل المؤتمر البابوي لهذا العام بالذكرى الخامسة عشرة للرسالة البابوية للبابا جون بول الثاني عن الصعوبات الأخلاقية لإقتصاد السوق والعولمة.
لكن البابا جون بول الثاني الذي كان ينتمي لبولندا التي كانت في الحلف السوفياتي كان أيضا معارضا صلبا للشيوعية وفي واقع الأمر لعب دورا مهما في إنهيار ذلك النظام في وسط وشرق أوروبا وبينما لا يناصر فرانسيس أو ساندرز الشيوعيه فإن كلاهما يسعى لإحياء بدرجات متفاوته الطموح الشيوعي الأصلي بخلق أخوة بين كل الناس .
لقد كان لميخائيل جورباتشوف – شخص ثوري آخر فيما يتعلق بالإنسانية والكرامة- الطموح نفسه في الثمانينات ومن المثير للإهتمام أنه شعر بالإلهام من طرح جون بول الثاني بإن الناس لا يعتبرون أحرارا إلا إذا قاموا بتحديد نظام الحكم لديهم والمساعدة في عمل قوانينهم كما حاول أن يعزز من العملية الديمقراطية ضمن النظام السوفياتي الجامد.
لقد كان عند جورباتشوف إعتقادا راسخا بإن رسالة العدالة التي يحملها لضحايا الشيوعية سوف تساعدة في إعادة إحياء إيدولوجية الإتحاد السوفياتي المتهالكة وفي لحظة ما نجح في ذلك ففي المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي والذي بث على التلفزيون سنة 1988 شاهد الناس بذهول زعيمهم الشاب وهو يطرح أفكاره الإصلاحية وخاصة مع شخصيات مثل أندريه زاخاروف وهو فيزيائي نووي شهير وناشط منشق في حقوق الإنسان .
في نهاية المطاف بالطبع لم يكن من الممكن إنقاذ الهيكل المتحجر للإتحاد السوفياتي ولكن جاء هذا الإنهيار في سنة 1991 سلميا وهذا يعود إلى حد كبير إلى الأخلاق الحميدة لجورباتشوف. لقد خلق جورباتشوف بيئة أدت فيها المطالبات بتحقيق تغيير راديكالي لحلول وسط وليس الغضب في تناقض صارخ مع التفكك العنيف ليوغسلافيا على سبيل المثال .
إن جورباتشوف مثل فرانسيس وساندرز لم يكن مصلحا محتملا وعلى الرغم من وصوله للسلطة بدعم الكي جي بي ،لم يسلم عمليات التفكير لديه لتلك الآله كما فعل الرئيس فلاديمير بوتين ولقد عمل ساندرز الشيء نفسه وذلك بعدم إستجابته لآلة الحزب الديمقراطي حيث عمل ساندرز على إعادة الحزب "لليسار الديمقراطي الإجتماعي الذي ينتمي له ". إن الكثيرين في الفاتيكان اليوم لا يستوعبون مقاربة فرانسيس حيث ينظرون لرسائل الرحمة لدية على إنها "تمييع " للعقيدة الكاثوليكية .
إن خصوم ساندرز وفرانسيس قد لا يكونوا من كبار السن ولكنهم يمثلون كبار السن ولكن المصلحين غير المحتملين وعلى الرغم من أنهم من كبار السن فهم يتكلمون بإسم الشباب وفي أغسطس من سنة 1991 فشلت محاولة إنقلاب ضد جورباتشوف لأنه كان يتمتع بدعم الشباب سواء في شوارع موسكو والمدن الأخرى وفي الدبابات بالإضافة لدعم صغار الضباط في الإتحاد السوفياتي. هذه هي قوة الشباب وهي قوة إستغلها ساندرز . لو تمكنت هيلاري كلنتون من هزيمة ساندرز والفوز بالترشيح الديمقراطي كما كما مرجح فإن تجاهلها لقوة الشباب سينطوي على مخاطرة بالنسبة لها .

هي إستاذه في الشؤون الدولية وعميده مساعده للشؤون الإكاديمية في ذا نيو سكول وزميله بازره في معهد سياسات العالم .