مع بداية 2016: أسعار النفط تهبط إلى أدنى مستوياتها منذ العام 2004 والذهب يندفع للأعلى

مؤشر الجمعة ١٥/يناير/٢٠١٦ ٠١:١٠ ص

مسقط - ش
أكد رئيس قسم استراتيجيات السلع لدى «ساكسو بنك» أولي هانسن تراجع اليوان الصيني أثر بشكل واضح على الأسواق العالمية خلال الأسبوع الأول من التداول لهذه السنة؛ حيث أسفر الهبوط الذي تعانيه الأسهم الصينية عن إيقاف التداوّل مرتين، بينما سجّلت الأسهم العالمية أداءً هو الأسوأ خلال الأيام الأربعة الأولى من السنة منذ العام 1988. وهبطت أسعار النفط إلى أدنى قاع لها منذ 2004، في حين ارتفعت قيمة الذهب نظراً للطلب عليه كملاذ استثماري آمن وللتعافي قصير الأمد في المواقع القصيرة التي استمرت لفترة أطول من اللازم. وبالمقابل هبطت المعادن الصناعية تحت ضغط احتمال حدوث تباطؤ أكبر من المتوقع في الصين التي تعتبر المستهلك الأكبر في العالم.

حالة عدم اليقين

وبالنظر إلى أداء السلع بشكل فردي كما هو مبيّن أدناه، يبدو الأمر كما لو أن السنّة بأكملها قد تم اختزالها في أسبوع واحد؛ حيث تراجع مؤشر «بلومبيرج» للسلع إلى قاع من العام 1999 في حركة تعزى بالدرجة الأولى إلى حالة عدم اليقين حول إذا ما كان تراجع قيمة اليوان بادرةً أو انعكاساً لهبوط حادّ وغير متوقع في الصين.

وقد خيّم شبح هذه الفكرة على أسواق الأسهم في شتى أنحاء العالم، ليهبط مؤشرا شانغهاي و»شنجن سي إس آي 300» في الصين بنسبة مزدوجة الخانات قبل استعادة استقرارهما في نهاية الأسبوع عندما ثبت اليوان على سعر أعلى بقليل. ومن ناحية أخرى لم يثمر تقرير الوظائف في الولايات المتحدة يوم الجمعة عن حفز أي تعافي رغم الإيجابية التي اتسم بها، مما يعني أننا لا نزال أمام احتمال مزيد من الهبوط على المدى القصير.

أفضل السلع أداءً

كما هبط مؤشر «بلومبرغ للسلع الخفيفة» إلى قاع عن ستة أسابيع بعد أن كان القطّاع الذي يمثله هو الأقوى بحلول نهاية 2015؛ إذ تراجع الكاكاو -وهو من أفضل السلع أداءً العام الفائت- إلى قاع عن ثمانية أشهر بسبب تقارير أفادت بأن الأسعار المرتفعة حالياً ستفضي إلى حركة تعافٍ كبيرة في الإنتاج خلال 2016/‏‏2017. وقد استسلمت صناديق التحوّط وخرجت من المواقع طويلة الأمد لتقبل خسارتها الناجمة عن الارتفاع الذي تم تسجيّله في ديسمبر بنسبة تزيد عن 15 في المئة، ويمكن أن نتوقع مزيداً من التعافي بعد هذا الخروج لأسباب عديدة من أهمّها المخاوف من الجفاف الذي قد يضرب ساحل العاج على المدى القصير.

وتبعت المعادن الصناعية والمعدنان الثمينان البلاتين والبالاديوم مسار سوق الأسهم الصينية الهابط بحكم كونها السلع الأكثر تأثرّاً بالنمو والطلب في الصين، وهو ما أسفر عن تراجع أسعارها ليؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار التعدين بالمقابل.

تعرّض قطاع الطاقة للضربة الأقسى

وتعرّض قطاع الطاقة للضربة الأقسى رغم الدعم المحدود الذي تلقّاه بعد ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي نظراً للطقس البارد في الولايات المتحدة. وكان متداولو النفط الخام قد بدأوا الأسبوع الأوّل متأثرين بالتوتّر الجيوسياسي المتصاعد بين إيران والسعودية، ولكن مدّة ارتفاع السعر الناجمة عن هذا الوضع لم تتجاوّز 24 ساعة، لتتبعها موجة بيع حادّة. ويعزى هذا الأمر إلى التركيز المتواصل على المعروض الزائد في العالم، والذي من المتوقع أن يأخذ منحىً أسوأ خلال هذا الربع قبل أن يتحسّن في وقت لاحق من العام الجاري. وعلاوة على مشكلة المعروض، كان على المتداولين أيضاً أن يتعاملوا مع التأثيرات التي من المحتمل أن تنجم عن فشل الطلب الصيني في بلوغ المستوى المتوقع منه.

تابعت سلّة «أوبك» هبوطها

وقد لاقى كل من خام غربي تكساس وخام برنت دعماً عند 32 دولارا للبرميل، بينما تابعت سلّة «أوبك‘« هبوطها لتصل إلى 27.85 دولار للبرميل يوم الخميس. ناهيك عن أن سعر نفط غرب كندا الممتاز- وهو الأعلى تكلفة من حيث الاستخراج بين جميع أصناف النفط الخام- هبط إلى ما دون 20 دولارا للبرميل، ليسجّل قاعاً جديداً عند 19 دولارا للبرميل. وعلى العموم تتسم الأسعار الحالية بكونها جميعاً تحت مستوى الحد الأدنى لتكلفة الإنتاج، وثمة احتمال بأن يبدأ المنتجون عمّا قريب بتعليق بعض المشاريع مؤقتاً أو إيقافها بشكل تام.

وتمثّل الأسعار المنخفضة الحل لمشكلة ارتفاع الإنتاج، ونظراً لتزايد عدد المنتجين مرتفعي التكلفة الذين يعملون دون الحد الإنتاجي الأدنى في الولايات المتحدة وكندا حالياً، فسوف يبدأ الإنتاج بالتباطؤ على مدى الأسابيع والأشهر المقبلة.

لكن قبل حدوث ذلك سيكون على السوق التعامل مع الإنتاج الفائض الذي سيأتيها من إيران خلال الأسابيع المقبلة، وفي الوقت ذاته التعاطي مع مستويات المخزونات الأمريكية التي تفوق المتوسط الخمسي (أي عن خمسة سنين) بأكثر من 100 مليون برميل؛ حيث شهدت منشأة التخزين المهمة في كاشينج بولاية أوكلاهوما- والتي تمثّل مركزاً لتوزيع السلع الآجلة من خام غربي تكساس- ارتفاعاً بمقدار 10 ملايين برميل خلال الأشهر القليلة الفائتة، وتكاد خزّاناتها تمتلئ مع اقترابها من استنفاذ قدرتها القصوى على الاستيعاب، والبالغة 63 مليون برميل. وفي حال حدوث ذلك سيجد مالكو الخزّانات أنفسهم مضطرين لخفض أسعار النفط أكثر بهدف اجتذاب المشترين.

تحقيق ارتفاع حادّ مع ضغوط صاعدة

ولن يحدث التعافي النفطي إلّا في حال سادت قناعة عامّة بأن مخاطر حدوث مزيد من الهبوط غدت محدودة، وأنّ السوق بصدد تحقيق ارتفاع حادّ مع ضغوط صاعدة ناجمة عن مواقع التداول التخمينية قصيرة الأمد.

وكما نعلم، فإن حركة السوق ليست بمنأى عن الأوضاع السياسية، وهو ما رأينا مثالاً واضحاً عليه مع بداية العام من خلال التوتّر السياسي الحاد بين إيران والسعودية، ولكن من ناحية أخرى رأينا مدى تحسّن قدرة السوق على المقاومة بعد أن أدى الفائض الكبير في المعروض إلى الحدّ من تهديد حدوث ارتفاع مفاجئ في الأسعار على نحو مشابه لما شهدناه خلال فترات سابقة من هذا العقد. وهناك ميل إلى تسعير علاوات المخاطر الجيوسياسية عن طريق خام برنت، وبالتالي سيفضي ارتفاع هذه التوترات إلى تعافي بعض علاوات برنت قياساً بخام تكساس الذي خسر علاواته بعد رفع حظر التصدير من الولايات المتحدة الشهر الفائت.

خط دعم مستقر إلى حدّ ما

وعلى المدى القريب سيشكّل المستوى 30 دولارا للبرميل خط دعم مستقر إلى حدّ ما، وسيكون من المطلوب خرق المقاومة عند 40 دولارا للبرميل قبل الحديث عن تشكّل أي قاع. وقد شهدت سوق عقود الخيارات ارتفاعاً ملحوظاً في الطلب على البيع مع وصولها قمماً عند 30 و25 دولارا، وهو ما قد يكون بادرة تعكس مخاوف متزايدة من التعرّض لمزيد من الخسائر، أو أن المتداولين يفضّلون ببساطة التعامل مع الانخفاض المتواصل في السعر عبر شراء عقود الخيارات.

بدأ الذهب السنة الجديدة مندفعاً

وقد بدأ الذهب السنة الجديدة مندفعاً بقوّة نحو الأعلى، ولاسيما عند مقارنة أسعاره مع اليوان الصيني؛ حيث ساهمت عوامل عديدة في اجتذاب المشترين (ومن بينهم صناديق التحوّط التي بدأت العام انطلاقاً من مواقع قصيرة الأمد غير مسبوقة) مثل الإقبال على هذا المعدن الثمين كملاذ آمن، وانخفاض أرباح السندات المتعلّقة بالتوترات في الشرق الأوسط، فضلاً عن المشاكل الصينية وتراجع قيمة اليوان.

ومن ناحية أخرى لا بد من الإشارة إلى أن الطلب على الذهب بصفته الملاذ الآمن لطالما كان قصير المدّة في العديد من المناسبات السابقة، ولا يزال الكثير من المستثمرين مترددين في دخول السوق على هذا الأساس. وعلى المدى القريب يكمن المفتاح في متابعة منظور السلع على العموم.

ومن وجهة نظر تقنية، نرى بأن الذهب يتحرك بالاتجاهين منذ نوفمبر الفائت، ولكّن حدوث كسر فوق 1.102 للأونصة يفسح المجال لحركة صاعدة ستتجه أولاً إلى 1.119 دولار للأونصة. وقد فشل تقرير الوظائف الأمريكي الذي صدر الجمعة في رفع قيمة الدولار رغم إيجابيته، بينما نجح الذهب في ملاقاة دعم قبل المستوى 1.088 دولار للأونصة، والذي يعتبر في الوقت الراهن المستوى الرئيسي الذي من المحتمل أن تتشكّل رغبة جديدة للشراء تحته. واقتصر نشاط المستثمرين الذين يتداولون الذهب عن طريق السلع المتداولة في البورصة على البيع فقط خلال الأسابيع القليلة الماضية، ليرتفع الطلب مجدداً بحلول نهاية الأسبوع فقط. ولا يزال إجمالي المواقع المحتفظ بها مع بداية العام يحوّم فوق قاع عن ستة سنوات.