بقلم: محمد محمود عثمان
هل نقول وداعا للطب.. وتكاليف الأدوية ؟ هذا مقالي بالشبيبة في عام 2017، وأجدني مشدودا لهذا العنوان بعد الإعلان عن استضافة السلطنة للمؤتمر العالمي الوزاري حول مقاومة مضادات الميكروبات لأنه إذا كانت هناك أخطار من سوء استخدام الأدوية المصرح بها دوليا ، فماذا نفعل في فرط الاستخدام العشوائي للأعشاب في العلاج ؟
وهل نحتاج إلى مؤتمرات أخرى حول مقاومة ثقافة العلاج بالأعشاب التي يقتنع بها بعض المرضى ، نتيجة لتعرضهم لهجمات إعلانية شرسة ومكثفة من الإعلانات مدفوعة الأجر التي تلاحق الناس من كل صوب عبر القنوات الفضائية بلا معايير أو ضوابط طبية تؤكد صحة المحتوى الإعلاني؟
ولا سيما مع ارتفاع نفقات العلاج وأسعارالأدوية ، ما يعرض صحة المواطنين للمخاطر، بعد اتجاه البعض لاستخدام ما يسمي الطب البديل الأرخص ،والذي يعتمد على الأعشاب بواسطة العطارين وتجار الأعشاب ، وبدون معايير صحية معتمدة ، لأنها لا تخضع للتجارب السريرية أو المعايير الطبية مقارنة بالأدوية التقليدية، ومن هنا لا يمكن الاعتماد على الأعشاب في علاج جميع الأمراض كما لا يوجد يقين بأن مكملاً عشبياً بعينه هو العلاج الشافي لمرض ما، نظرا لأنها تحتوي على مواد قد تتفاعل مع الأدوية الكيميائية الأخرى، وتسبب أعراضًا جانبية، قد تؤدي إلى التسمم في حالة الجرعات الكبيرة، والأمر الخطير أن البعض يظن أنّ الأعشاب الطبيعيّةً آمنةٌ للاستخدام ، وإذا كان ذلك صحيحا فعلينا أن نفكر في إلغاء وزارات الصحة التي ترهق نفقاتها ميزانيات الدول ، ويصبح بالجدير بنا أيضا أن نفكر بعقلية اقتصادية وأن نبدأ في توفير النفقات التي ترصدها الدول للإنفاق على تعليم الأطباء والصيادلة وإنشاء كليات الطب والصيدلة ، أوفي بناء المستشفيات، وإجراء البحوث الصيدلانية ، بحثا عن اكتشاف أدوية جديدة ، أولتطوير بلاين الأدوية المتداولة في الصيدليات .
لذلك هناك دور هام للسلطات الطبية في الرقابة على الأدوية العشبية المستوردة والترخيص لها قبل الاستيراد أوالبيع حسب الاشتراطات والإجراءات الخاصة بهذه النوعية من الأدوية،وكذلك أجهزة حماية المستهلك للتأكد من التراخيص من الجهات الصحية الرقابية الرسمية ، وتوعية المستهلكين بخطورة شراء الأدوية العشبية عن طريق الإنترنت أو الوسائل الإعلامية الأخرى ،لأنها قد تكون رديئة وغير مرخصة وثبت احتواؤها إما على مكونات دوائية محظورة أو معادن ثقيلة أو أحياء دقيقة أو تحتوي على بعض الأعشاب الضارة ،التي لا يسمح باستخدامها ،حيث تصنع هذه المنتجات فقط لغرض التصدير للخارج بهدف التجارة والربح المادي، وألا ينساق المستهلكون خلف الدعايات الإعلانية الوهمية المُضللة لبعض المنتجات النباتية والأدوية العشبية حول فعاليتها أو سلامة استخدامها ، التي لا تدعمها أدلة علمية موثقة على الرغم من أن بعض الأدوية المستوردة من أوروبا بعضها مصنع في دول نامية ،ويعاد تصديرها للعرب ، بعد أن تُغلف بأسماء الشركات الكبرى صاحبة الشهرة العالمية - ونحن لا نهتم سوى بوجود شهادات التحليل للتشغيلات الواردة فقط ، بدون القدرة على التأكد من مطابقة محتوياتها مختبريا ، في ظل اتجاه الكثير إلى هذه الاعشاب لسهولة الحصول عليها بدون رقيب أو حسيب، ولابد من اتخاذ الإجراءات القانونية حيال هذه المخالفات التي تقدمهابعض القنوات الفضائية الخارجية التي تستهدف شرائح كثيرة ومتعددة من المستهلكين العرب وتُروج بإلحاح لتلك المنتجات ، ومع ذلك فإنه إذا ثبت صحة وفاعلية ونجاح هذه المستحضرات في علاج كل هذه الأمراض ، فجدير بنا أن نقول وداعا للطب وللأطباء ، ووداعا لتكاليف الأدوية والعمليات الجراحية ،ولذلك علينا أن ننتبه إلى ضرورة وقاية صحة وعلاج الإنسان وحمايته من الغش والاحتيال ، خاصة مع انتشار القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تبث على مدار الساعة حملات إعلانية مكثفة.