بقلم: محمد محمود عثمان
القمة العربية القادمة في دولة الجزائر تأتي في وقت صعب على الشعوب العربية، لذلك فهى تضع العرب على المحك قبل أن تخطو القمة- من المؤسف - نحو الفشل الذي يتوقعه المراقبون قبل أن تبدأ ، بعد تسرب أنباء عن غياب نحو ستة من القادة العرب قابلة للزيادة مع اقتراب موعد الإنعقاد ، حتى أصبح عدد القادة المشاركين هو معيار النجاح واعتبار غياب عدد كبير من القادة هو مؤشر الفشل، الذي يجسد حالة التشرذم القائمة التي قد تعصف بالكيان العربي،وجامعة الدول العربية ومؤسساتها في مدرج المتفرجين ، لذلك لم أتطرق للمشاكل والخلافات السياسية التي لم تُحسم وربما لن تُحسم في المنظور القريب ، لعدم وجود الإرادة السياسية التي ترغب في حل هذه الخلافات قبل أن تُرحل إلى القمم التالية ، ولذلك بعيدا عن السياسة ، فإن الأوضاع الاقتصادية العالمية المتردية تحتم علينا كعرب مواجهتها ضمانا لتحقيق الحياة الكريمة لشعوبنا ، بداية من أزمة المواد الغذائية ونقص قطع الغيار والمكون الأجنبي لمستلزمات الإنتاج ، بعد مشاكل سلاسل التوريد، ثم أزمة أوكرانيا التي فاقمت الفجوة الغذائية في معظم الدول العربية إن لم يكن جميعها ، خاصة في الدول التي تعتمد على استيراد 95 % من احتياجاتها،والتي سبقها تعثُر المشروعات الوطنية وتصفيتها ،وأزمة العمال المسرحين من العمل وفقد وظائفهم مع تفاقم أزمة وباء كورونا وزيادة عدد العاطلين والباحثين عن عمل، بعد أن سجلت المنطقة العربية أعلى مستوى بطالة حول العالم بلغت %11.44لعام 2021، حسب تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) والمكتب الإقليمي للدول العربية التابع لمنظمة العمل الدوليّة والمعاناة المستمرة والممتدة لأسر هؤلاء،لذلك فإن من أهم الملفات الاقتصادية العربية المنسية هو ملف العاطلين والصناعة والمصانع المغلقة ، وعدم وجود آليات لسد الفجوة الغذائية العربية ، الافتقار إلى خطط عملية لدفع العمل الاقتصادي التنموي المشترك ، ثم ملف عدم تعظيم الاستفادة من الإمكانات والموارد العربية البشرية والطبيعية ، التي تجسد التعاون الاقتصادي وتنمية الاستثمارات ، وكذلك ملف عدم تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وتطورات الاتحاد الجمركي العربي ،على غرار تطبيقات مجموعة الاتحاد الآوروبي، بعد أن غاب عن رؤيتنا لسنوات طوال أن التكامل الاقتصادي يمنح الدول المتكاملة نقلة نوعية في وزنها الاقتصادي الدولي ، ويمنحها قوة أكبر على المساومات التجارية مع الآخرين ، بل وفرض الشروط التي تمنحها التميز والتفوق من خلال اقتصاداتها المتكاملة ، ليصبح التحدي أمامنا وفي اعناقنا في حق الأجيال المقبلة، هو بقاء التجزئة والتفرُق في الوطن العربي وعدم قيام الوحدة العربية بين أقطاره المجزّأَةِ، التي تُعرضها للطامعين واستمرار التهديد ، وبقاء الهيمنة الأجنبية على مقدرات العرب، بعد فشل كل المحاولات الوحدوية في العصر الحديث ، من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي العربي من الخمسينيات إلى الآن ، والتي لم يستمر منها قائم أو صامد ولوشكليا -أو بلا مضمون يلبي طموحات أبنائه - سوى صيغة مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وهى الأقرب إلى تحقيق اقتصاد عربي قوي ، ممكن أن يكون النواة لتكوين كتلة اقتصادية عربية تستطيع مواجهة التكتلات الاقتصادية الأخرى التي تكونت في العصر الحديث.
بعد أن نجح العرب في استخدام النفط في حرب أكتوبر 1973 وهى تجربة يمكن أن يُقاس عليها لتوحيد كلمة العرب الاقتصادية ، بعد أن اجمع القادة العرب - بوطنيتهم -على مواجهة إمريكا والغرب باستخدام سلاح النفط العربي ، الذي ساهم في انتصار أكتوبر 73 ، ومع انعقاد القمة العربية في الجزائر في الشهر المقبل ، في ظل الوضع الاقتصادي العالمي المتردي ، وصراعات القوى بين الشرق والغرب والصين كقوة جديدة تحاول التواجد على الساحة العالمية ،وظهور نقص الغاز والنفط الذي اربك الحياة السياسية واسقطت بعض الحكومات الأوروبية ،وتأثير ذلك على إمريكا التي لجأت للدول العربية تطلب زيادة الإنتاج النفطي لمواجهة أزمة الطاقة ، وهناك دائما أطماع استعمارية - معلنة أو مخفية - في السيطرة أو الاستيلاء على حقول النفط العربية، لأن أصحابها هم الأضعف ، ولاسيما أن قواعدهم العسكرية في أراضينا وتحاصرنا ،لنجد الفرصة الآن مواتية للدول العربية - إذا كان لديها الإرادة والرغبة - وهي مجتمعة في قمتها القادمة لتفرض وجودها، وتعلن عن ميلاد كتلة اقتصادية عربية،تستنفر مقوماتها الاقتصادية وثرواتها الطبيعية والبشرية لتُوجه إلى تحقيق المصالح السياسية والاقتصادية للأمة العربية ، وإرغام الكتل الأخرى على التعامل معها بندية ، فتفرض أسعار الطاقة التي تحقق طموحات شعوبنا في التنمية والتطوير ، وصناعة التقدم للتحول من الاستهلاك إلى المشروعات الصناعية التصديرية ، وتوزيع الاستثمارات على المشروعات الصناعية بين الدول العربية وفقاً للميزة التنافسية لكل دولة ، وإلغاء الضرائب والرسوم الجمركية بعد إدماج الأسواق العربية في سوق واحد ، وتقنين حرية تنقل العمال العرب بين الأسواق العربية ، ولعلنا نمنح بذلك قبلة الحياة للسوق العربية المشتركة وهى تعاني سكرات الموت، ولنبدأ بملف دعم البنية الأساسية ومنها ربط البنى التحتية في مجالات النقل والطاقة ،وربط الدول العربية بشبكات الكهرباء والسكك الحديدية لتسهيل التجارة البينية وإنشاء صندوق عربي لتمويل الصناعات العربية والعسكرية العملاقة، كاستثمار أمثل لما يملكه الوطن العربي من موارد ،لتحقيق المزيد من الاستثمارات والتوظيف داخل الوطن العربي؛ مما يعني المزيد من الإنتاج وزيادة الدخل ورفع مستوى المعيشة لأفراد المجتمع العربي، لأنه ليس أمامنا أوعندنا وقت للضياع إذا أردنا أن نُبقي على أمتنا العربية قوية ، لأن ما نعيشه الآن هو حصاد سياساتنا السابقة طوال نصف قرن ، والتي شهدنا خلالها الكثير من التوصيات والقرارات الورقية ذات القيمة المنعدمة، على الرغم من التحديات التي تواجه الأمن الاقتصادي العربي، وضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهتها بما يحفظ وحدة بلداننا العربية وسلامة أراضيها.