بقلم: محمد بن علي البلوشي
متى تضلل الحكومات الرأي العام؟.. حينما تبعث بأرقام غير حقيقية عما حققته..هذه تنتشر وعادة مانقرأها في الدول التي تحكمها الاحزاب..فقد تخفي أرقاما حقيقية وتنشر ارقاما وبيانات مضللة حتى لاتفقد قاعدتها الجماهيرية ولاتسمح للمعارضة في البرلمان بإسقاطها..هذا السلوك السياسي رائج في بلدان كثيرة حيث تتصارع الأحزاب على السلطة وتكسر معارضيها من الأحزاب الأخرى..فيما يكون الناخب هو الضحية حينما تفتقد تلك البلدان التي تحكمها الاحزاب إلى قاعدة مراقبة تشريعية وإعلامية.
في الصين لايمكن أن تبث الدولة أرقاما مضللة فهناك حزب واحد يحكم ولاينافسه أحد وله عقيدة مترسخة منذ سنوات طويلة ومن نتائج حكمه أن الصين قوة اقتصادية وتصنيعية عالمية وبلد منتج مما نتج عن سياسات هذا الحزب القوي اقتصاد قوي..تسود منتجات الصين العالم ولايمكن إقصاؤها فالارقام تتحدث والبيانات تشهد عبر التضخم وسعر صرف العملة وغيرها من المعايير التي يفهمها فقهاء الاقتصاد ومنظروه.فإذا أظهرت الأرقام مرض الاقتصاد الصيني فإن الاقتصاد العالمي يصاب بالركود
يتلقف الرأي العام لدينا بعض البيانات الحكومية بشيء من الريبة والشك وعدم التصديق وتتباين بحسب الجهة الحكومية..بيانات وزارة المالية موثقة بالأرقام فلايمكن إنكارها فهي توضح الإيرادات والنفقات والفائض والعجز والمديونية وهي مليئة بالثقة والشفافية ولذلك يظهر رضا الرأي العام عنها وبخاصة إن كانت متخمة بالفائض المالي أما إن سجلت عجزا في بعض الفترات فهناك ألف مصيدة لها وحاليا أسعار النفط كفيلة ببث الطمأنينة وإسكات المشككين عن لماذا ولماذا.
في الأسبوع الفائت أنهى برنامج تدريبي اطلق عليه «مضياف» وهو برنامج ترعاه مجموعة عمران تدريب 120 شابا وشابة في القطاع الفندقي ليتولوا مختلف الأعمال من الإدارة إلى الأقسام الفنية والمالية وغيرها..120 شابا وشابة تم تدريبهم لشهور وسينخرطون في مختلف المرافق الفندقية المنتشرة في البلد..خبر مطمئن والصور تظهر وجوههم.وهذا لايدعو ولايفتح بابا للشك في مصداقية الأرقام.
قد يتندر الناس على البيانات بماتحمله من أرقام فلايصدقونها وهي الارقام التي تخرج بين الفينة والاخرى من جهات حكومية حسب المناسبة والحدث..الأرقام التي تتنبأ بنتائج مستقبلية وتفترض بناءً على معطيات الدراسات..هناك مثالان: كانت وزارة العمل منذ سنوات -وزارة القوى العاملة سابقا- تعلن عن أرقام التشغيل فنشرت أسماءً وبالشركات التي تم ترشيحهم للعمل فيها حتى تهدئ الناس وتفند التشكيك في مصداقية التشغيل والتوظيف وهي القضية الأهم التي تشغل الشارع ليأتي رد الفعل لاحقا أن نفى الكثيرون التحاقهم بالعمل وإن كانت اسماؤهم في القوائم المنشورة ..فيما تقول وزارة العمل إنهم
يعملون...ثم لاحقا خرجت علينا بمن رفضوا العمل حتى تؤكد مصداقية ارقامها وبياناتها..كان ذلك فيما مضى والآن تعلن الوزارة عن أرقام وبيانات عن التشغيل..على الأقل في القطاع الخاص..وهنا ليس في الأمر تشكيكا بقدر ماللأرقام من تأثير حينما تكون واضحة للعيان وبخاصة عن العمل في القطاع الخاص..هي واقعة تدل على مدى حاجة الرأي العام للمصداقية في الارقام.حتى لايصيب الناس الشك في كل بيان يتضمن أرقاما.
في أحدث التصاريح الحكومية وفي قصة الحياد الكربوني الذي قررته الحكومة تحدث مسؤولون عن نحو 70 ألف فرصة عمل سيوفرها انتقال السلطنة للحياد الكربوني ..أي خلال نحو 27 عاما ففي هذه الرحلة الزمنية الطويلة ستنشأ شركات وتموت شركات وستفتح الشركات الجديدة أبواب فرص العمل التي يفترض أنها في الغالبية ستذهب للعمانيين..إلا أن ردة فعل الناس شككت في مصداقية الأرقام وربما وضعتها في خانة التضليل حتى قالوا:كفى من الأرقام وبقي أن يتهموا البيانات ومطلقوها بالتضليل فهم لايصدقون مالايرونه..هنا الطرفان على حق وصواب إن أحسنا النية فالحكومة صادقة في أرقامها وقد تكون دقيقة فيها بنسبة مرتفعة ..والناس لربما ونتيجة لبعض التجارب السابقة قد يعتقدون أن الأرقام مبالغ فيها وتخديرية. السؤال هو كيف يمكن للحكومة إثبات مصداقية أرقامها..هل من برنامج تدريبيي وتشغيلي مبكر لتأهيل العمانيين في الوظائف الجديدة التي ستوفرها الشركات التي ستعمل وتتخصص في الاقتصاد والطاقة النظيفة؟..وماهي أهم الوظائف المطلوبة؟ وكيف ستستعد وزارة العمل لهذا البرنامج الكبير بتوفير عمالة وطنية؟..لابد من برنامج يطمئن الناس.لننتظر 27 عاما.