علي ناجي الرعوي
من المعتاد لسنوات طويلة ان نسمع عن اليابان من افواه العرب لكننا من النادر ان وقفنا عن وجهة نظر يابانية حول العرب فقد ظل الكاتب والأديب المصري يوسف ادريس يتساءل في معظم كتاباته عن سر نهضة اليابان وتحولها من بلد صغير معزول ومهزوم ومدمر بعد ان ضربته قنابل الذرية الامريكية الى قوة صناعية واقتصادية في عقود زمنية قصيرة لا تذكر ؟
مثل هذه التساؤلات لم تبارح يوسف ادريس إلا حينما قرر السفر الى اليابان للتعرف على خصائص المجتمع الياباني وخلال هذه الزيارة شاهد ذات ليلة وهو عائد الى الفندق الذي يقطنه عاملا يابانيا وحيدا في احدى المنشآت منهمك بجد ونشاط ومثابرة في انجاز الاعمال المناطة به من دون مراقبة من احد وكأنه يعمل على شيء هو نفسه يملكه عند اذ عرف يوسف ادريس وعرفنا معه ان من يصنع نهضة اليابان هو الشعور بالمسئولية النابعة من رقابة الضمير الذاتي اكان مصدره وطنيا او اخلاقيا او دينيا وعرفنا ايضا انه وعندما يتصرف شعب بأكمله على تلك الشاكلة يصبح من السهل عليه تحقيق ما حققته اليابان.
اللافت حقا اننا كعرب عرفنا اليابان وعرفنا تجارب كل الشعوب والأمم الناهضة عن ظهر قلب لكننا الذين لم نجتهد يوما من اجل معرفة انفسنا وواقعنا والتحديات التي تعترض طريق حاضرنا ومستقبلنا بل اننا الذين لم نسأل انفسنا : لماذا الشعوب والأمم الاخرى تتقدم وتتطور من حولنا ونحن نتأخر ونتراجع ونزداد تخلفا وانحسارا وانكسارا ؟ هل لأننا عاجزون او لا نمتلك الشجاعة والإرادة الكافية التي تمكننا من التأمل في انفسنا ونقدها على نحو جذري كي نعرف مكامن الخلل في قيمنا وسلوكنا ونظامنا التربوي بما يسمح لنا تشخيص ذلك الخلل الذي لازمنا وتحول الى مجموعة من الامراض المستعصية التي حالت دون لحاقنا بركب العصر وقطار التطور ؟ ولأننا من فشلنا في رؤية صورتنا فقد فشلنا في ذات الوقت من استشراف قراءة الاخرين لهذه الصورة المملوءة بالندوب والتي تبدو اكثر وضوحا اذا ما صيغت تفاصيلها من وجهة نظر يابانية محايدة صاغها باحث وأكاديمي ياباني اسمه نوتوهارا في كتاب صدر عام 2003م كحصيلة انطباعات تكونت لديه على مدى اربعين عاما زار خلالها العديد من البلدان العربية ريفها والحضر ليخرج بالعديد من الملاحظات التي مع الاسف لم تلفت الانتباه بشكل كاف.
يشير المؤلف نوتوهارا الى انه سافر الى البلدان العربية بعد ان تجاوز الثلاثين من عمره وانه من اقترب الى الواقع العربي في كل مكان نزل فيه فوجد ان المجتمعات العربية من موريتانيا حتى اليمن هي مجتمعات تضج بالشكوى من اشكال الظلم والقهر والتحلل والتهافت والتهالك على الصغائر والمهالك وان هذه المجتمعات تضحي بشكل اعتباطي بالأفراد الموهوبين والأفراد المخلصين ولذلك فقد رأى كما يقول : كيف يغلب على سلوك الناس عدم الشعور بالمسئولية تجاه اوطانهم الى درجة انه جعلته دائما يتساءل : لماذا لا يستفيد العرب من تجاربهم ؟ لماذا لا ينتقد العرب اخطاءهم ؟ لماذا يكرر العرب الاخطاء نفسها ؟ وكم يحتاج العرب من الوقت لكي يضعوا انفسهم على الطريق السليم ؟
يجد نوتوهارا ان الناس هنا لا يكترثون بحياتهم فالخوف يمنع المواطن العادي من كشف حقائق حياته الملموسة فتضيع الحقيقة وتذهب الى المقابر مع اصحابها ولذلك بدا مقتنعا بان التخبط الذي يعيشه العرب قد جعلهم لا يحبون انفسهم او اوطانهم فبقدر ما يبديه العربي من تدين فانه الذي يمارس الفساد الوظيفي بشتى صوره ويتجلى هذا النوع من التناقض حين يدمر العرب الممتلكات العامة فيما هم الذين يعتقدون انهم يدمرون ممتلكات الحكومة لا ممتلكاتهم وحين نجدهم يستخدمون القمع والضرب في مدارس التعليم ومع ذلك يسألون متى بدأ القمع ؟ وإزاء هذا السلوك المتناقض يقول نوتوهارا : لماذا تستعمل كلمة (ديمقراطية) كثيرا في العالم العربي وهذا العالم يمارس العنصرية ضد بعضه البعض على نحو واسع وفي ذات الوقت يشكو من ممارسة الاخرين العنصرية ضده وحيال كل ذلك فقد كان من الطبيعي ان ينتهي نوتوهارا الى السؤال : هل يستحق العرب الشفقة ام الموت ببطء ؟
كان من المفيد لو ان العرب تمعنوا خلال العشر السنوات الماضية في تلك التساؤلات التي طرحها الاكاديمي الياباني بصورة حيادية لاكتشفوا فعلا ان الذين ركبوا قطار الربيع العربي عام 2011م قادمين من تونس فمصر فليبيا فاليمن ثم سوريا كانوا جميعا في قطار واحد لكن لم يكن الجميع على هدف واحد وعلى مرجعية واحدة وينتمون الى امة واحدة لذلك جاءوا على قطار لعبة الامم بأمتهم وأطماع تلك الامم بثروات بلدانهم وموقعها الجيواستراتيجي.
وحينما تخسر المجتمعات امنها واستقرارها ووحدتها وتدخل على خط الازمات والحروب والصراعات كما هو شأن ما يسمى دول (الربيع العربي) والتي وجدت نفسها بعد اقل من ثلاث سنوات مرتهنة لمن يقود القطار وليس بإمكانها ان تفعل غير ما تؤمر به لتخسر تلك الدول حاضرها ومستقبلها في دورة تاريخية مرعبة ومكتوبة بالدم وحروف الفوضى والانفلات.
اشد قسوة على النفس ان نقرأ في كتاب الياباني نوتوهارا ما يشي في معناه ومضمونه الى ان العقل العربي قد غاب او يكاد في حمى صراع المذاهب الاسلامية لتغيب معه لغته وفطنته وحضاريته وفاعليته تحت تأثير الثقافات البدائية والأفكار المتطرفة المتعطشة للدم والمتفرغة للقتل والذبح مع ان معظم العرب يدينون جميعا سنة وشيعة لدين واحد وكأنهم بهذا الجهل والحروب المذهبية والطائفية والعرقية يتلذذون بتدمير انفسهم دون ان يدركوا حتى الان الى أي منزلق ينزلقون.
كاتب يمني