بقلم : محمد محمود عثمان
حماية المستهلك ضرورة حتمية يفرضها الواقع في ظل المتغيرات والمستجدات السياسية والاقتصادية العالمية التي أدت إلى الارتفاعات الجنونية للأسعار وما صاحب ذلك من النقص الشديد في بعض السلع والمواد الغذائية والأدوية والأجهزة والتجهيزات الطبية المستوردة وقطع الغيار والمواد الأولية المكونة للصناعات التحويلية ، والغريب أن التجار أيضا يطلبون الحماية من أجهزة ومؤسسات حماية المستهلك، التي تسببت في نقص هذه الأصناف من الأسواق، لأنها ترفض إقرار الأسعار الدولية الجديدة بعد توقف سلاسل الإمداد وارتفاع الأسعار نتيجة لذلك، ثم يصعب على التجار استمرار الاستيراد ،مما يفاقم من حجم المشكلة وزيادة الأضرار التي تلحق بالأفراد والشركات والتجار ، وأصبح لهيب الأسعاريحرق جيوب المواطنين، نتيجة استغلال الشركات المحلية المنتجة في القطاعات الصناعية والغذائية والدوائية وشركات التوزيع ومنافذ البيع بالجملة أو التجزئة ، التي يدعمها جشع بعض التجار ومحاولات الغش وعرض السلع الأقل جودة أو المقلدة أو التالفة بذات الأسعار وربما بأغلى من سعرها المعتاد أحيانا ، ناهيك عن المنتجات التي تصنع « تحت بير السلم» المغشوشة والمخالفة للمواصفات ، بعيدا عن أعين الرقابة ، والمخاطر والأضرار الناتجة عن ذلك اقتصاديا وصحيا وعلى الاقتصاد والمجتمع، الذي قد يُحرم من بعض السلع والمنتجات الضرورية للحياة ولصحة الإنسان ،والأمريكون أكثر خطورة في الدول التي تعتمد على استيراد أكثر من 95% من احتياجاتها من الخارج ، نظرا لامتناع المستوردين والتجار عن استيرادها ، لعدم تفهم اجهزة حماية المستهلك للتحولات التي تتم نتيجة الارتفاع العالمي للأسعار لكل ما هو مستورد ، وضرورة تحريك الأسعار بما يتناسب مع هذه الزيادات ، بدون أن تؤثر على دخل وقدرة المستهلكين ، لأن التاجر أو المستورد لا يمكن أن يتاجر في الخسارة ، ولا يمكن إجباره على ذلك، إلا في إطار ما لديه من مخزون سابق يتم عرضه بالسعر القديم قبل حدوث الأزمة ، بل ويعرضه جنبا إلى جنب مع السلعة المستوردة بالأسعار المرتفعة حتى يتم نفاد المخزون القديم الذي احتفظ به.
ومن هنا يأتي دور أجهزة وهيئات حماية المستهلك لتحقيق التوازن في الأسواق وحماية المستهلك بضمان تحجيم أوكبح جماح تفاقم زيادة الأسعار للسلع والمنتجات المحلية- بلا مبرر- التي لا تتأثر بمستوى الأسعار العالمية ، وفي الوقت ذاته تقنن اسعار السلع والمواد المستورة طبقا للفواتير الصادرة من المُنتج أو المُصدر الرئيسي ، بعدالتأكد من صحتها عن طريق الممثلين التجاريين أوالبعثات الدبلوماسية في الخارج ، ولابد من دور لوزارات التجارة والصناعة وغرف التجارة والصناعة في مد أجهزة حماية المستهلك بالبيانات والمعلومات الموثقة عن أسعار المنتجات والسلع المستوردة ، من خلال الدراسات والاتصالات ، بمساعدة غرف التجارة الأجنبية المشتركة، إلى جانب الاتصالات المباشرة بالمصدرين والشركات المنتجة ، أو بكل ذلك ، حتى يمكن تحديد السعر العادل للسلع المستوردة لحماية التجار أيضا من الخسائر، حتى يتمكنوا من استيراد احتياجات المواطنين ،لأن بعض الدول بدأت تعاني من نقص بعض السلع ومنها حليب الأطفال ،بعد وقف الاستيراد لرفض أجهزة حماية المستهلك زيادة أسعار السلع المستوردة التي يحتاجها المجتمع باعتبار أن استقرار الأسعار ضمن استراتيجيتها الوطنية لحماية المستهلك - فتصبح مثل الدبة التي تقتل صاحبها وهى تظن أنها تدافع عنه أو تحميه كما تقول الأمثال الشعبية- وتتحول من حماية المستهلك إلى الإضرار بالمستهلك ، بدون أن تتأكد من صحة المستندات الصادرة من بلد المنشأ أو من المصدرين للسماح للموزعين والتجار بهامش ربح مناسب يسمح لهم بتوفير احتياجات السوق من السلع المستوردة، وسد العجز والنقص، لتحقيق الأمن الغذائي للجميع ، واعتقد أن ذلك من المهام الأساسية لجهات حماية المستهلك في كل مكان إلى جانب المتابعة المستمرة من خلال التفتيش الدوري على الأسواق والتأكد من إلتزامها بقوانين حماية المستهلك وتوفيرها للسلع بكميات مناسبة والتزامها بمعايير الجودة والسعر الأرخص، للحفاظ على توفير الغذاء كما ونوعا وسعرا للمستهلك وتحت كل الظروف، ولا سيما في ظل زيادة أسعار السلع المستوردة من الخارج ، والتي ليس لها منافس أو بديل في السوق المحلي ، لأن الزيادة في الطلب مع نقص العرض ،ينتج عنها ارتفاعات للأسعار والتي يصاحبها ارتفاع معدلات التضخم ، مع جشع بعض التجار ومحاولات الغش وتقديم سلع أقل جودة أو مقلدة أو تالفة ، أوأن يتم مزج بعض المنتجات المنتهية الصلاحية مع الأخرى التي قد شارفت على الانتهاء بذات الأسعار ، وربما بأغلى من سعرها المعتاد، الأمر الذي يتطلب تقوية آليات الرقابة على الأسعار ، وعلى جودة السلع ومدى صلاحيتها للاستهلاك الآدمي ومطابقتها للمواصفات والمقاييس والمعايير المعتمدة ، حفاظا على صحة المستهلكين وصحة المجتمع ،ومن خلال تفعيل نظام رقابي صارم من قبل الجهات المختصة، حتى لا يتعرض المستهلك للابتزاز المادي والمخاطر الصحية ، نتيجة لعدم جودة السلع أو عدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي أوعدم مطابقتها للمواصفات والمقاييس والمعايير المعتمدة دوليا
في ظل الأسواق العربية المفتوحة أمام كل المنتجات والصناعات العالمية باعتبارها السوق الواعد، والأكثر استهلاكا ، والأقل رقابة ، وتتمتع بالقوة الشرائية الهائلة ، لذلك فإن دور أجهزة حماية المستهلك حماية مصالح المجتمع من خلال المستهلكين والتجار والمنتجين ، لأنه من العدل تحقيق المساواة بحماية المواطن والتاجر أيضا ، ولأنه ليس معنى حماية المستهلك الإضرار بأطراف أخرى منها المواطن أو المستهلك ذاته.